في عام 2015 كان 244 مليون نسمة (أو 3.3 في المئة من سكان العالم) يعيشون خارج بلدانهم الأصلية. يعبر أغلبية المهاجرين الحدود بحثاً عن فرص اقتصادية واجتماعية أفضل. ويُجبَر آخرون على الفرار من الأزمات – وقد أدى اتساع الحركة الجماعية للاجئين والنازحين إلى تصاعد معدلات رهاب الأجانب وإلى دعوات لتشديد الرقابة الحدودية. كذلك تصاعدت الهجرة الداخلية داخل البلدان. تُشكّل الهجرة قوة مهمة من قوى التنمية، وهي كذلك قضية ذات أولوية قصوى لكل من البُلدان النامية والمتقدمة. يضاف لما سلف أن النصف تقريباً من مجموع المهاجرين هُم من النساء، ومعظمهن في سن الإنجاب. ولديهن احتياجات محددة ومخاوف مرتبطة بحقوق الإنسان. لذلك، يجتهد صندوق الأمم المتحدة للسكان في سبيل ترسيخ فهم قضايا الهجرة، ومناصرة الجهود الرامية إلى جمع بيانات أفضل عن الهجرة، وتعزيز إدماج الهجرة في خطط التنمية الوطنية. كما يناصر صندوق الأمم المتحدة للسكان التصدي لمخاوف النساء وغيرهن من المهاجرين الأكثر عرضة للمخاطر، فيما يجتهد لتلبية احتياجات الصحة الإنجابية الطارئة لدى اللاجئات والنازحات.
عالم في حالة حركة
لقد زادت العولمة من تحرك العمالة. ففي كثير من البلدان المتقدمة أدّى التراجع في الخصوبة وفي شرائح السكان في سن العمل إلى زيادة الطلب على العاملين من الخارج لتدعيم الاقتصادات الوطنية. والهجرة الاقتصادية هي صاحبة المعدل الأسرع في الزيادة على مستوى العالم بين كل أنماط الهجرة، وكثيرٌ من البلدان التي كانت فيما مضى تُرسل العمالة إلى الخارج (مثل الأرجنتين وأيرلندا وجمهورية كوريا) أصبحت الآن تستقبل مهاجرين أيضاً. ووفقاً لأحدث الإحصاءات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، فإنّ 73 في المئة تقريباً من المهاجرين في سنّ العمل كانوا عمالاً مهاجرين.
رغم أنّ الهجرة بين القارات تحظى باهتمام بالغ، إلا أن معظم المهاجرين عبر العالم يتحركون عبر مسافات أقصر. فأمريكا الشمالية وأوقيانوسيا تستقطبان معظم المهاجرين الدوليين من مناطق أخرى، غير أنّ أغلبية المهاجرين في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية والكاريبي ما زالوا يقطنون المنطقة التي وُلدوا فيها. .
يتنقّل الناس فراراً أيضاً. فالمجتمع الدولي يشهد حالياً تدفقاً للمهاجرين من بلدان تموج بالأزمات، وصار عدد النازحين قسرياً على مستوى العالم أعلى مما كان عليه في أي وقت مضى مند الحرب العالمية الثانية . ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، مع نهاية عام 2014. كان 59.5 مليون فرد قد نزحوا نزوحاً قسرياً بسبب الاضطهاد، أو النزاع، أو العنف المستشري، أو انتهاكات حقوق الإنسان. استمر هذا الاتجاه، وربما اشتد، في عام 2015 في ظل وجود أعداد هائلة استثنائياً من اللاجئين والمهاجرين القاصدين أوروبا؛ وأغلبهم من سوريا ومن أماكن أخرى متأثرة بنزاعات.
أما الهجرة الداخلية - أي التنقّل داخل البلدان - فهي أيضا في تصاعد مع استجابة الناس للتوزيع غير العادل للثروة والخدمات والفرص، أو بسبب الفرار من العنف أو من كارثة طبيعية أو بسبب زيادة عدد حوادث الطقس العاتية. وأما حركة الأفراد من المناطق الريفية إلى الحضرية فقد ساهمت في نمو شديد للغاية في المدن حول أنحاء العالم.
تُشكّل معدلات الخصوبة المرتفعة والنمو السكاني المتسارع في بعض البلدان النامية ضغوطاً دافعة للهجرة بسبب ضعف البنية التحتية ونظم الخدمات الاجتماعية. وفي الوقت ذاته، أصبحت الهجرة في حد ذاتها مكوناً هاما من مكونات النمو السكاني في البلدان التي شهدت انخفاضاً في الخصوبة. وقد ساهمت الهجرة في بعض أنحاء أوروبا وآسيا في تخفيف الانخفاضات السكانية المرتبطة بانخفاض الخصوبة وشيخوخة السكان.
مهاجرون معرضون للمخاطر
من التغييرات الأهم في أنماط الهجرة في نصف القرن الماضي هو زيادة عدد النساء المهاجرات وحدهن مقارنة بأي وقت مضى. فقد باتت النساء يشكّلن نحو نصف قوام الهجرة الدولية، وفي بعض البلدان أصبحن يشكلن 70 أو 80 في المئة. وبما أنّ المهاجرات ينتهي بهن الحال غاليا في وضعيات متدنية ووظائف إنتاجية وخدمية منخفضة الأجر، وغالباً ما يعملن في قطاعات اقتصادية غير نظامية وذات فصل جنساني مثل العمل المنزلي، فهنّ يقعن بذلك تحت خطر التعرّض للاستغلال والعنف والانتهاك على نحوٍ أكبر. وتكون النساء المهاجرات على وجه الخصوص عرضةً للاتجار في البشر لأغراض الاستغلال الجنسي التي تشكل تجارة تُدرّ الملايين من الدولارات. وتتعرض النساء المتاجَر بهنّ للعنف الجنسي والعدوى المنقولة جنسياً، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشري، ومع ذلك لا يُتاح لهنّ سوى منفذ محدود إلى الخدمات الطبية أو القانونية.
علاوة على ذلك، يهاجر في كل عام عدة ملايين من الناس بدون الحصول على التصريح الملائم لذلك، وذلك وفقاً لبيانات المنظمة الدولية للهجرة.
وغالباً ما يواجه هؤلاء المهاجرون رحلات خطرة، ويتعرضون للاستغلالَ من شبكات التهريب الإجرامية، وظروف العمل والعيش الصعبة، وعدم التسامح فور وصولهم إلى بلد أجنبي، فضلاً عن انعدام الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية – ومنها الرعاية الصحية. كما أن هذا الوضع غير النظامي يجعلهم في خشية دائمة من طلب العون عندما تُنتَهَك حقوقهم.
الهجرة والتنمية
بشكل متزايد، أصبح يُنظر إلى الهجرة باعتبارها أحد العوامل المساهمة في التنمية. فالمهاجرون يحققون مساهمات هامّة في الرخاء الاقتصادي للبلدان المضيفة، كما أن التدفقات المالية والتكنولوجية ورأس المال الاجتماعي والبشري العائد إلى بلدانهم الأصلية فتُساهم بدورها في الحد من الفقر وتحفيز التنمية الاقتصادية أيضاً.
تُشكّل التحويلات - وهي الأموال التي يرسلها المهاجرون إلى ذويهم في بلدانهم - أحد المصادر الرئيسية لرأس المال للبلدان النامية. وتساهم التحويلات في إطعام الأطفال وتعليمهم، وتحسّن مستويات معيشة الأسر التي تركها المهاجرون من ورائهم. ولتلك التحويلات المالية أهمية متزايدة. فمن المتوقع أن تصل التحويلات المسجلة رسمياً إلى البلدان النامية إلى 440 مليار دولار في عام 2015. وبحسب التحويلات الواردة إلى البلدان المرتفعة الدخل، يزيد هذا الرقم إلى 586 مليار دولار حسب التقديرات. بل إن تلك التحويلات -في بلدان كثيرة- تكون أكبر من المساعدة الإنمائية الرسمية أو من الاستثمار الأجنبي المباشر.
(من الملفت أن البيانات المتاحة توضح أن النساء يُرسِلن إلى بلدانهن قسماً أكبر من المال الذي يجنينه مقارنةً بالرجال). والمهاجرون هُم أيضاً سبل هامّة في نقل "التحويلات الاجتماعية" وتشمل الأفكار والمنتجات والمعلومات والتكنولوجيات الجديدة.
لكن الهجرة تنطوي أيضاً على تحديات: فقد تُحرَم البلدان من عمالة متميزة تعليماً وتدريباً، وهي عملية تُعرَف باسم "نزيف الأدمغة". وقد تفصل بين أفراد الأُسر وتزيد أوجه التفاوت بين متلقّي التحويلات ومن لا يتلقونها.
يتزايد تركيز الخبراء على تحقيق النتائج المفيدة للجانبين؛ أي للبلدان المُرسِلة والبلدان المستقبِلَة، وكذلك بالنسبة إلى المهاجرين أنفسهم. حاليا تُبذل جهودٌ لمعالجة الآثار السلبية لنزيف العقول، وتشجيع المهاجرين على الاستثمار في بلدان المنشأ، والمشاركة بمعارفهم ومهاراتهم وخبراتهم الفنّية في عملية التنمية. وقد اعترفت خطة التنمية المستدامة 2030 بالهجرة بوصفها عاملاً رئيسياً من عوامل التنمية، كما أن أهداف التنمية المستدامة المعتمدة في أيلول/سبتمبر 2015 تدعو إلى حماية حقوق العمل للعمالة المهاجرة، ومكافحة شبكات الاتجار في البشر، وتعزيز الهجرة والتنقل ضمن إطار تنظيمي كفؤ. ويسعى المجتمع الدولي كذلك إلى التصدي لتحديات التنمية والحوكمة وحقوق الإنسان التي تجبر الناس على الفرار من بلدانهم.
التصدي للأسباب الجذرية للهجرة
ينبغي أن تحدث الهجرة طوعاً، لا من باب الضرورة. لذا من المهم للغاية أن يكون اختيار الشخص البقاء في بلده خياراً ممكناً على الدوام للجميع، الأمر الذي يحتاج إلى اعتماد سياسات تكفل الإدارة السليمة وسيادة القانون والوصول إلى العدالة وحماية حقوق الإنسان والقضاء على النزاعات والعنف. وينبغي أن تكون عوامل التعليم والعمل اللائق والأجور المنصفة والرعاية الصحية الميسورة والإسكان الكريم متاحة للجميع دون الاضطرار إلى الهجرة. كما يجب أن تتسق سياسات الهجرة مع احتياجات سوق العمل حتى تتلاقى المهارات مع فرص العمل داخل الوطن.
على وجه الخصوص يجب مراعاة الشباب في صنع تلك السياسات. فكثير من البلدان لا يتسنى فيها إيجاد وظائف لائقة للقطاع الأكبر من الشباب في تاريخها، وهو ما يدفع الشباب إلى ترك بلدانهم. وطبقاً لأحدث الإحصاءات المستمدة من شعبة السكان لدى الأمم المتحدة عام 2015، فإنّ عدد المهاجرين الدوليين دون سن 20 قد بلغ 37 مليون نسمة – أي 15 في المئة من مجموع المهاجرين على الصعيد العالمي. لذا لا بد من بناء الأمل وإيجاد الفرص عبر الاستثمار في الشباب من أجل رعاية التنمية في أفقر مناطق العالم، وبما يساعد البلدان في حصد العائد الديمغرافي الكفيل بانتشال الملايين من الفقر.
جهود صندوق الأمم المتحدة للسكان
يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان من أجل اعتبار الهجرة الدولية عاملاً مهماً في التنمية. ولما كان صندوق الأمم المتحدة للسكان عضواً فاعلاً في فريق الهجرة العالمية، فإنه يعمل على استغلال القدرات البشرية والاجتماعية والاقتصادية الإنمائية للهجرة، ومناصرة الاستعانة ببيانات أدق بشأن الهجرة كي يُسترشد بها في السياسات والتوسع في إدراج الهجرة ضمن خطط التنمية الوطنية.
يعزز صندوق الأمم المتحدة للسكان كذلك الحوار بشأن السياسات ويعضد قدرة الحكومات على الاستجابة للقضايا المتعلقة بالهجرة الدولية. يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان أيضا جهود البحث والدراسات التي تستهدف وضع السياسات، ويساعد الحكومات في بناء قدراتها على جمع الإحصاءات المتعلقة بالهجرة – بما في ذلك البيانات المصنفة حسب النوع الاجتماعي. كما يناصر صندوق الأمم المتحدة للسكان التصدي لبواعث القلق الخاصة لدى النساء والمهاجرين الشباب، بما في ذلك القضاء على التمييز والانتهاك والاتجار.
في حالات الطوارئ، يتعاون صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الشركاء لتلبية احتياجات الصحة الإنجابية للاجئات والنازحات داخليا. كما يقدم صندوق الأمم المتحدة للسكان خدمات الصحة الإنجابية والخدمات الاستشارية ذات الصلة إلى ضحايا الإتجار، إلى جانب تقديم المساعدة الفنّية والتدريب والدعم إلى الحكومات والوكالات الأخرى من أجل التصدي لهذه المشكلة.
آخر تحديث في 23 كانون الأول/ديسمبر 2015.