بحسب أحدث البيانات المتاحة، تفقد نحو 800 امرأة حياتها كل يوم لأسباب يمكن اتقاؤها تتعلق بالحمل والولادة. هذا يعني وفاة امرأة كل دقيقتين. ومقابل كل امرأة تتوفى لأسباب ذات علاقة بالحمل والولادة تشير التقديرات إلى أنّ هناك ما بين 20 أو 30 امرأة يتعرّضن لإصابة بدنية أو يُصبن بالتهابات أو إعاقة. معظم تلك الوفيات والإصابات يمكن الوقاية منها كلياً. لابد أن تكون الأمومة أكثر أماناً بحسب مرجعية حقوق الإنسان، ويدخل ذلك في صميم رسالة صندوق الأمم المتحدة للسكان. يتعاون صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الحكومات وخبراء الصحة والمجتمع المدني حول العالم من أجل تدريب العاملين الصحيين، وتحسين إتاحة الأدوية الأساسية وخدمات الصحة الإنجابية، وتقوية النظم الصحية، وتعزيز المعايير الدولية لصحة الأمهات.
تقدم جيد، لكنه ليس كافيا
يمكن اتقاء معظم وفيات الأمهات والمواليد. ففي عام 2017 توفت نحو 295 ألف امرأة لأسباب تتعلق بالحمل أو الولادة. وقد توفي معظمهن نتيجة النزيف الحاد، أو التلوث، أو تسمم الحمل، أو عسر المخاض وتبعات الإجهاض غير الآمن – وكلها أسباب لديها تدابير وقائية فعالة تحول دون وقوعها. إلا أن المأساة لا تتوقف عند هذا الحد: ذلك أن وفاة الأم تضعف أسرتها بشدة، ويصبح أطفالها حديثي الولادة أكثر عرضة للوفاة قبل بلوغهم عيد ميلادهم الثاني.
ومع ذلك، يمكن تحقيق انخفاض ملموس في معدلات وفيات الأمهات والمواليد، وهو ما يحدث فعليا. فقد انخفض المعدل العالمي من 342 وفاة لكل 100 ألف ولادة مولود حي في عام 2000 إلى 211 وفاة لكل 100 ألف ولادة مولود حي في عام 2017. وفي بلدان كثيرة، انخفضت وفيات الأمهات مع تمكين النساء من الوصول إلى خدمات تنظيم الأسرة والتوليد على أيدي كوادر ماهرة في ظل توفر خدمات رعاية التوليد في حالات الطوارئ على نحو احتياطي. بل إن بعض البلدان انخفضت معدلات وفيات الأمهات لديها إلى النصف في بحر عقدٍ واحد.
ومع ذلك، لابُد من بذل المزيد من الجهد. إذ ما زالت معدلات وفيات الأمهات مرتفعة، خاصة في المجتمعات الفقيرة. ومن بين مئات الآلاف من الأمهات اللاتي توفين أثناء الحمل أو الولادة في عام 2017، كان 86 في المائة منهن تقريباً يعشن في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا.
إنّ العمل من أجل الحفاظ على حياة الأمهات هو واجب من واجبات حقوق الإنسان، وهو كذلك أولوية إنمائية. وقد دعا المؤتمر الدولي للسكان والتنمية والأهداف الإنمائية للألفية إلى تحقيق انخفاضا بنسبة 75 في المائة في وفيات الأمهات بين عامي 1990 و2015؛ وما زال هذا الهدف غير متحقق حتى الآن. أما أهداف التنمية المستدامة، المعروفة أيضاً باسم الأهداف العالمية، فتدعو إلى خفض معدلات وفيات الأمهات إلى 70 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة مولود بحلول عام 2030. في بعض البلدان لا يتمثل هذا الهدف في أكثر من 140 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي بحلول عام 2030. إلا أن بعض بلدان جنوب آسيا والعديد من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ليست على المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف.
إن السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف الطموح هو: التحقق من إتاحة وسائل منع الحمل لجميع النساء من أجل اجتناب حالات الحمل غير المقصود؛ وتزويد كل الحوامل بالرعاية الماهرة المحترمة في بيئة آمنة أثناء الولادة؛ والتحقق من تقديم رعاية التوليد في حالات الطوارئ عالية الجودة للنساء اللاتي يواجهن مضاعفات، وذلك فور احتياجهن إليها.
رعاية ما قبل الولادة
تُشكّل رعاية ما قبل الولادة عنصراً هاماً في الرعاية الأساسية لصحة الأم. وتوصي منظمة الصحة العالمية أن تتلقى الحوامل ثمان زيارات متابعة الحمل قبل الولادة، حيث يُتاح فيها للعاملة الصحية فحص الدلالات على اعتلال الصحة – مثل انخفاض الوزن أو فقر الدم أو العدوى – ومتابعة صحة الجنين. ويتخلل تلك الزيارات تقديم المشورة للنساء بشأن التغذية والنظافة الصحية من أجل تحسين صحتهن قبل الولادة وبعدها. ويوصي صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الصحة العالمية بشدة بوضع خطة للولادة وللتعامل مع المضاعفات المحتملة، وهو مكوّن رئيسي من مكوّنات رعاية ما قبل الولادة، بما يتيح التخطيط لكيفية الحصول على الرعاية وما يمكن عمله في حالة الطوارئ.
حيث إن تلك الزيارات قد تمثل أول تعامل للمرأة مع النظام الصحي، لذا فهي فرصة مهمة لتقييم صحتها بالكامل والتحدث إليها عن صحتها وحقوقها الجنسية والإنجابية. حيث يمكن إرشادها لوسائل منع الحمل الحديثة الأكثر ملائمة لها وتعريفها بالفوائد الصحية للمباعدة بين الولادات وكيفية تنظيم أسرتها. كما تتلقى المشورة بخصوص رعاية المولود وتنظيم الأسرة ما بعد الولادة وأهمية تسجيل المولود.
ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من المضاعفات تكون غير متوقعة، أو قد تحدث مصحوبة بإنذار بسيط أو بدون إنذار بين النساء اللاتي تنعدم لديهن عناصر الخطر. وفي حين أن الزيارات السابقة على الولادة قد لا تحول دون حدوث المضاعفات، لكن النساء اللاتي يتلقين رعاية ما قبل الولادة هن أقرب من غيرهن إلى أن يلدنَ على يد مشرفة ولادة ماهرة قادرة على اكتشاف المشاكل والتعامل معها.
الإشراف الماهر على الولادة
يُعد الإشراف الماهر عند الولادة، مع وجود إجراء احتياطي للطوارئ، من أهم التدخلات التي تضمن أمومة آمنة. ويشمل الإشراف الماهر على الولادة فريق العاملين الصحيين مثل الأطباء أو كادر التمريض أو القابلات ممّن يمتلكون/ن المهارات اللازمة للإشراف على الولادة الطبيعية والتعرف على بداية المضاعفات. ويتولى هذا الكادر تنفيذ التدخلات الأساسية واستهلال العلاج وإدارة بعض المضاعفات الأساسية، والإشراف على إحالة المضاعفات الأخرى إلى رعاية الطوارئ الشاملة. كما أن الإشراف الماهر محوري في حماية صحة المواليد الجدد، حيث أن معظم وفيات ما قبل الولادة تحدث أثناء الولادة أو في الساعات الـ 48 التي تليها.
يتطلب الإشراف الماهر بيئة مواتية، مثل وجود منطقة نظيفة للولادة تحوي اللوازم والمعدات الضرورية. ويجب أن يقدم كادر الإشراف الماهر. رعاية قائمة على الاحترام بما يراعي كرامة الحامل ويصونها. ومما يؤسف له أن كثيراً من البلدان تعاني من نقص حاد في مقدمي الرعاية الصحية الذين يجيدون مهارات القبالة.
رعاية التوليد في حالات الطوارئ
رعاية التوليد في حالات الطوارئ هي نوع من الرعاية بالغة الأهمية في الحد من وفيات الأمهات. فجميع الأسباب الخمسة الأساسية المباشرة لوفيات الأمهات - أي: النزيف والتلوث والإجهاض غير الآمن واضطرابات ارتفاع ضغط الدم وعسر المخاض – هي أسباب يمكن علاجها في أي منشأة صحية جيدة الكوادر والتجهيز. وفي تلك الظروف، يمكن أيضاً إنقاذ أغلب المواليد الذين يعانون من الاختناق أو العدوى.
في حال حدوث مضاعفات، ينبغي توفير منفذ سريع لجميع النساء والمواليد الجدد إلى منشآت صحية جيّدة عالية الجودة للتعامل مع حالات الطوارئ. وعلى المدى الطويل، ينبغي مباشرة كل حالات الولادة في منشآت ملائمة كما هي الحال في البلدان التي تمكنت من خفض معدلات وفيات الأمهات لديها خفضاً ملموساً.
رعاية ما بعد الولادة
رعاية ما بعد الولادة – التي تقدم خلال الأربع وعشرين ساعة الأولى من الولادة، ثم بعد ثلاثة أيام ،ثم بعد أسبوعين ثم بعد ست أسابيع منها - لها ذات الأهمية مثل رعاية ما قبل الولادة. وقد تحدث أعراض النزيف والتلوث واضطرابات ارتفاع ضغط الدم بعد خروج المرأة من المركز الصحي. وقد يكون المواليد الجدد في حال من الضعف الشديد بعد الولادة مباشرة.
ويوصي صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بشدّة بإجراء زيارات متابعة من جانب العاملة الصحية لتقييم صحة الأم والطفل في مرحلة ما بعد الولادة.
جهود صندوق الأمم المتحدة للسكان
يشكّل الارتقاء بأمان الأمهات أولويةً قصوى لدى صندوق الأمم المتحدة للسكان. حيث يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على كافة المستويات لتعزيز الإتاحة الشاملة لرعاية الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية ، بما في ذلك تعزيز المعايير الدولية لصحة الأمومة وتقديم التوجيه والدعم للنظم الصحية.
وتركز البرامج المدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان على تطوير القدرات في مجال رعاية الأمومة، لا سيما تقوية الموارد البشرية ورعاية طوارئ التوليد ورعاية المواليد الجدد وتوفير رعاية عالية الجودة متمحورة حول الإنسان واحترامه. ومن بين البرامج الكثيرة التي يباشرها صندوق الأمم المتحدة للسكان يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتدريب كادر القبالة، ودعم منشآت وشبكات رعاية طوارئ التوليد ورعاية المواليد الجدد، وتقديم العقاقير الأساسية، وخدمات تنظيم الأسرة. كذلك يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان تنفيذ نظم المتابعة والاستجابة لوفيات الأمهات والمواليد، علماً بأنها النظم التي تساعد المسؤولين على معرفة عدد النساء المتوفيات، وأسباب الوفاة، وكيفية الاستجابة لذلك.
كما يسعى صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى تحقيق أقصى درجة من الأمان خلال فترتي الحمل والولادة في بيئات الطوارئ. كما أن جهود صندوق الأمم المتحدة للسكان للوقاية من الناسور تلفت الانتباه إلى النظم الصحية التي تعجز عن تلبية احتياجات النساء. كذلك يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان برامج علاج الناسور، حيث قدم الدعم المباشر لما يتجاوز 129 ألف تدخل جراحي في الفترة ما بين 2003 و2021.
تاريخ التحديث 1 أيار/ مايو 2022.