بيان

بيان صادر عن الدكتورة نتاليا كانيم المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان الدورة العادية الثانية للمجلس التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع

26 أغسطس 2024

السيد الرئيس،
أعضاء المجلس التنفيذي الكرام،
الزملاء والأصدقاء الأعزاء،

أحيّيكم بروح السلام، فليكن السلام نجمنا الهادي الذي يرشدنا في كل يوم.

يَسرّني أن أنضم إليكم في هذه الدورة العادية الثانية للمجلس التنفيذي. وأتوجه بالشكر للرئيس ولسائر أعضاء المكتب على دعمهم وتوجيههم في فترة التحضير لهذه الدورة وخلال العام. 

في غضون أسابيع قليلة، سيتوافد قادة العالم إلى نيويورك لحضور مؤتمر القمة المعني بالمستقبل. ويتمثل هدفهم في التوصّل إلى إجماعٍ دولي جديد بشأن كيفية تحقيق أهدافنا العالمية للتنمية المستدامة، ومعالجة التهديدات الناشئة، وضمان وجود نظام متعدد الأطراف مناسب لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.

كما أنّ احتفالات صندوق الأمم المتحدة للسكان بالذكرى السنوية الثلاثين للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية لهذا العام تركّزت على بناء المستقبل الذي نصبو إليه للنساء والفتيات على اختلاف مشاربهنّ. 

لقد عقدنا اجتماعات مع البرلمانيين في النرويج. وتبادلت الشابات النسويات الدروسَ المستفادة مع الحضور في القاهرة في عام 1994. وللمرة الأولى، تم إحياء ذكرى المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في واشنطن العاصمة، بتنظيم من البيت الأبيض ووزارة الصحة والخدمات البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وما مدى الصواب في اختيارنا مواضيع حواراتنا العالمية الثلاثة في إطار الذكرى السنوية الثلاثين للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية؟ 

يُعدّ الشباب بمثابة قوةٍ لا يُستهان بها، إذ يبلغ عددهم 1.9 مليار. فهم مستعدون للتغيير وجاهزون للقيادة. وكان هذا واضحاً وضوح الشمس في حوار الشباب في بنن. 

أصبحت الاتجاهات الديمغرافية اليوم في صلب اهتمام الحكومات، سواء فيما يتعلق بالنمو السكاني أو الشيخوخة أو الهجرة أو التحديات الأخرى. واحتلت هذه الاتجاهات موقع الصدارة على جدول الأعمال في بنغلاديش، إذ ناقش صنّاع السياسات والأخصائيون الديمغرافيون وغيرهم الإجراءات والاستثمارات اللازمة لبناء القدرة الديمغرافية على الصمود سعياً إلى تحقيق الازدهار بالنسبة للأفراد والمجتمعات والدول.

تساهم التكنولوجيا في تحويل عالمنا بشكل جذري. فهي قادرة على توسيع إمكانية الوصول إلى الفرص، خاصةً بالنسبة للنساء والفتيات. ولكنها أيضاً تفرض بعض التحديات. فكيف نضمن أن تُوزع فوائد التكنولوجيا بشكل منصف؟ وما هي الأدوات واللوائح الواجب  تفعيلها لاستغلال قوة التكنولوجيا مع التقليل من الأضرار قدر المستطاع، مثل العنف الرقمي؟ سُرِرت برؤية الكثير منكم ينضمّون إلينا في الحوار التكنولوجي هنا في نيويورك لمناقشة هذه القضايا المهمة للغاية.  

ومع اقترابنا من نهاية استعراض الذكرى السنوية الثلاثين للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية، يواصل صندوق الأمم المتحدة للسكان اليوم توجيه اهتمامه إلى مستقبل كل فتاة في العاشرة من عمرها. ما يعني حشد حلفاء وشركاء جدد، والاستفادة من الابتكار، واستكشاف أشكال جديدة من التمويل، واحتضان قوة التكنولوجيا من أجل النهوض بالحقوق والاختيارات للجميع.

نحن ملتزمون بضمان تنشئة كل فتاة في عالم يتمتع فيه الجميع بالقدرة على الوصول إلى الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، حيث تُتاح للجميع إمكانية الحصول على وسائل حديثة لتنظيم الأسرة ، ولا يموت أحد أثناء الولادة، وتطوى تماماً صفحة العنف ضد النساء والفتيات، بجميع أشكاله المروعة وفي جميع المجالات.

تلخص إزمين، عاملة في الخط الساخن في مركز نسائي مدعوم من صندوق الأمم المتحدة للسكان في هايتي، المستقبل الذي نريده والتزامنا بتحقيقه على أكمل وجه: "أحلم باليوم الذي لا تُسجّل فيه أية حالات اختطاف وحالات ضرب الرجال للنساء، أتوق إلى عالم لا تقع فيه النساء ضحايا العنف ولا تُسجّل فيه أي أضرار نفسية. وفي الوقت نفسه، سنواصل العمل الذي نقوم به: سنواصل النضال والعمل".

هذا المستقبل بين أيدينا، وسيواصل صندوق الأمم المتحدة للسكان بذل الجهود اللازمة لحين تحقيقه. 

لذلك، يسعى صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى تحويل عمله من أجل ضمان تموضعنا المستمر لتحقيق أهدافنا في عالم يتغيّر ويتطوّر باستمرار. 

وتُعدّ عملية تحسين مقرنا الرئيسي أحد الأمثلة على ذلك. يَسرّني أن أعلن عن سير أعمال شعبة البرامج الجديدة والمتكاملة وكذلك شعبة العلاقات الخارجية الجديدة. 

إذ تساهم شعبة البرامج الجديدة على عدم القيام بأعمال متقوقعة داخلياً، وتشتمل على تعزيز إدارة المعرفة والمعايير والبيانات والرؤية المستقبلية والقدرات التحليلية. 

وهذا الأمر يعزز قدراتنا على تقديم حلول شاملة للتحديات الناشئة واغتنام الفرص المتاحة.

ويساهم  التكامل بين الوظائف البرنامجية والتقنية إلى جانب زيادة قُرب شعبة البرامج الجديدة من المجتمعات التي نعمل لصالحها في تعزيز الدعم المقدم إلى المكاتب القطرية والإقليمية، ما يمكنها من تأدية دورها بمزيد من الفعالية. 

ويبدأ الانتقال التدريجي إلى نيروبي في ربيع عام 2025، ما يتيح لشعبة البرامج الوقت اللازم لترسيخ وتطوير التكامل والتماسك الوظيفي داخلها. 

تشمل الآن شعبة العلاقات الخارجية الجديدة، المعروفة سابقاً بشعبة الاتصالات والشراكات الاستراتيجية، فرع الأمم المتحدة والشؤون الحكومية الدولية، بالإضافة إلى المكتبين التمثيليين في جنيف وأديس أبابا.

تعزز هذه التغييرات قدرة صندوق الأمم المتحدة للسكان على المشاركة في العمليات الحكومية الدولية والمشتركة بين الوكالات في نيويورك وعلى الصعيد العالمي.

ويُعد عملنا المستمر لتعزيز وظيفة سلسلة الإمداد الخاصة بصندوق الأمم المتحدة للسكان من الاستثمارات المهمة الأخرى. 

يتطلب تحقيق "الأصفار الثلاثة" لصندوق الأمم المتحدة للسكان توفيرَ وسائل تنظيم الأسرة، بما في ذلك الواقيات الذكرية والأنثوية من أجل الحد من الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة والوقاية من انتقال فيروس العوز المناعي البشري. وهذا الأمر يتطلب الحصول على أدوية جيدة لدعم صحة الأمهات من أجل منع الوفيات في صفوفهنّ، ويجب توفير مجموعة مستلزمات ما بعد التعرض للاغتصاب، وإمدادات النظافة الصحية خلال الدورة الشهرية، وحقيبة اللوازم الصحية النسائية، من أجل دعم برنامج صندوق الأمم المتحدة للسكان لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، والحفاظ على صحة وكرامة النساء والفتيات في جميع الأوضاع، بما في ذلك الأوضاع الإنسانية. 

عندما تتطلع الحكومات والشركاء إلى صندوق الأمم المتحدة للسكان، ينبغي أن يروا وظائف شاملة وذات كفاءة لسلسلة الإمداد من البداية إلى النهاية. وقد تم مؤخراً الانتهاء من إعادة تنظيم وحدة إدارة سلسلة الإمداد في صندوق الأمم المتحدة للسكان. وأصبح لدينا أخصائيين في هذا المجال داخل مكاتبنا الإقليمية لتقديم الدعم المباشر إلى البلدان التي نعمل من أجلها. وهذا الأمر يعزز العمل البرنامجي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، لا سيّما في الأوضاع الإنسانية من خلال فريق متخصص للمشتريات.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت إعادة التنظيم في توسيع الخيارات المتاحة من الجهات الخارجية لدائرة المشتريات، ما يُعد أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للدول التي تسعى إلى الاعتماد على مواردها المحلية عوضاً عن التبرعات واتخاذ خطوات نحو التصنيع المحلي والموثوق والجيد.  

وتوفر الاستراتيجية الجديدة لإدارة سلسلة الإمداد توجيهاً واضحاً وأولوية جلية لدعم الخطة الاستراتيجية لصندوق الأمم المتحدة للسكان على المدى الطويل.  

السيد الرئيس، 

تمكّنّا بفضل دعمكم الكريم من تحقيق إنجازات كثيرة في مختلف أنحاء العالم.

في الوقت الحالي، تعمل 28 وحدة صحية متنقلة مدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان على توفير وسائل تنظيم الأسرة وخدمات أخرى في جميع أنحاء أوكرانيا. 

وفي موزامبيق، نجحنا في إيصال منتجات وخدمات آمنة وفعالة لدعم الصحة الجنسية والإنجابية إلى ما يقرب من 400,000 من النساء والمراهقين. 

إنّ اعتماد نهج أكثر تركيزاً وأكثر ملاءمة للسياق المحلي يساهم في زيادة الكفاءة في تسليم الإمدادات، خاصة في الدول التي تواجه حالات طوارئ ممتدة، من أفغانستان إلى اليمن وما إلى ذلك. 

السيد الرئيس، أعضاء المجلس الكرام،

نحن نُدرك جيداً أنّ استثمارات الدول الأعضاء والشركاء في صندوق الأمم المتحدة للسكان، تعكس ثقتهم بنا، إذ نعمل جاهدين كل يوم للحفاظ على هذه الثقة. 

على مدى السنوات السبع الماضية، أظهر الاستثمار الثابت لصندوق الأمم المتحدة للسكان في وظائف الرقابة، بما في ذلك التحقيقات، التزامنا الراسخ بالحفاظ على أعلى معايير المساءلة والشفافية والنزاهة في جميع برامجنا وعملياتنا. ويظهر أيضاً التزامنا الصارم بعدم التسامح مع أي شكل من أشكال الخطأ من جانب أي موظف، أياً كانت درجته. 

تماشياً مع قيمنا ومهماتنا، يتفاعل صندوق الأمم المتحدة للسكان مع أي ادّعاء بشأن سلوك غير لائق من جانب أي موظف. ونولي اهتماماً كبيراً لمثل هذه الادعاءات،إذ نواصل تعزيزَ النزاهة في المنظمة، والوعي الأخلاقي والرقابة.

وفي هذا الشهر تحديداً، قامت لجنة الرقابة والرصد والامتثال في صندوق الأمم المتحدة للسكان بتحديث نطاق عملها لتشمل، من بين أمور أخرى، المساعدة في ضمان تنفيذ التوصيات الواردة في التقييمات المركزية.  ونواصل أيضاً تعزيزَ إطار إدارة المخاطر المؤسسية لدينا ونتطلع إلى إحاطة المجلس بهذا العمل في شهر كانون الثاني/يناير المقبل. 

تبقى وظيفة التقييم القوية في صدارة أولويات صندوق الأمم المتحدة للسكان. إذ يُعد اتخاذ القرارات المبني على الأدلة عنصراً أساسياً لتسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق النتائج التحويلية الثلاث وتعزيز التعلم والمساءلة على نطاق المنظمة. ويجري حالياً وضع اللمسات الأخيرة على التقييم التكويني للخطة الاستراتيجية الحالية، التي سيناقشها المجلس في كانون الثاني/يناير المقبل، وهي بالفعل توجه تفكيرنا نحو الخطة الاستراتيجية القادمة.

ويرحب صندوق الأمم المتحدة للسكان أيضاً بالنقاشات الجارية حول وظائف الحوكمة والرقابة للمجلس التنفيذي. ونحن على أتم الاستعداد لتقديم الدعم المطلوب من أجل ضمان أن يكون المجلس فعالاً قدر الإمكان.

السيد الرئيس، 

إن بناء المستقبل الذي نطمح إليه يتطلب أيضاً بناء بيئة العمل والثقافة التي نطمح إليها، حيث يشعر الموظفون على اختلاف مشاربهم بالشمول والتمكين، ويتم الاستماع إليهم وتشجيعهم على التعبير عن آرائهم. 

في الشهر الماضي، أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان أول استراتيجية له للحماية من الاستغلال والاعتداء والتحرش الجنسي. وتتضمن هذه الاستراتيجية التي تمتد لعامَين إجراءات ملموسة لمنع السلوكيات الجنسية غير اللائقة، ودعم الناجين، ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم. وأنا على يقين بأنه مع وجود فريق متخصّص مكرس لهذه المهمة، ستسود روح السلامة والاحترام والمساءلة في جميع وحدات العمل والمكاتب والعلاقات مع الموردين والشركاء. 

بصفتنا مدافعين عن حقوق الإنسان، نتحمل المسؤولية عن القضاء على جميع أشكال الاعتداء، وعن كوننا مناصري الحماية، وعن مساءلتنا أمام السكان المتضررين. وتظل هذه المسؤولية في طليعة أولوياتي وأولويات فريق قيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان بالكامل وهي تتماشى مع سياسة عدم التسامح التي اتبعتها بحزم منذ يومي الأول هنا.

وفي بناء المستقبل الذي نطمح إليه، يتعين علينا أيضاً فهم كيفية التكيف مع العالم من حولنا واحتضان التكنولوجيا، مع التقليل قدر المستطاع من المخاطر التي تتعرّض لها النساء والفتيات.

في صندوق الأمم المتحدة للسكان، نعتبر التكنولوجيا بمنزلة قوة إيجابية. 

تساهم التكنولوجيا الحديثة التي تم تطويرها بدعمٍ من صندوق الأمم المتحدة للسكان في ربط النساء والفتيات بالمستشارين وأطباء التوليد والأطباء الممارسين في مجال الصحة النفسية. كما تستفيد القابلات من الاطلاع على التطبيقات التي تحتوي على معلومات قائمة على الأدلة حول الحمل والولادة. وتسهم التكنولوجيا في ربط الناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي بالخدمات الضرورية، وتساعد الأسر عند وقوع الكوارث.

يمكن للتكنولوجيا أن تنقذ الأرواح وتعزز الحوار. فهي جزء من النقاش العام. ومع ذلك، يمكن للتكنولوجيا أن تلحق ضرراً كبيراً عندما تقع بين أيادٍ غير مسؤولة. 

تشهد القصص التي نسمعها من فتيات المدارس والشابات على الألم الذي يسببه العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تيسره التكنولوجيا، سواء كان ذلك الإساءة القائمة على الصور، أو التشهير، أو المطاردة السيبرانية، أو التنمر، أو العنصرية، أو خطاب الكراهية، أو غيرها من الأفعال الشنيعة. 

تتعرض القيادات النسائية والناشطات بشكل روتيني لأشكال متعمدة من التضليل الإعلامي والإساءة عبر الإنترنت. وقد اختارت الكثيرات ممّن تعرّضنَ للهجوم تركَ الحياة العامة، وهذا الحل يجب ألا يكون مقبولاً في أي مجتمع. 

لذا، كان صندوق الأمم المتحدة للسكان في طليعة التحرّك الرامي إلى إنهاء العنف الرقمي وضمان أن تكون التكنولوجيا آمنة وأخلاقية وتلبي احتياجات النساء والفتيات.

وأنا على دراية تامة بما ينتج عن التضليل الإعلامي من تأثيرات سلبية على الأفراد وعلى صندوق الأمم المتحدة للسكان ككل. 

لكل امرأة وفتاة، وبالفعل لكل واحد منا، الحق في التمتع بالسلامة في جميع الأماكن. فلا يمكننا الاستمرار في السماح باستهداف النساء والفتيات، ومضايقتهنّ وطردهنّ من المجال العام. إنها لمأساة فردية وخسارة جماعية لمجتمعاتهنّ. إنّه العنف عبر الإنترنت، ويجب أن ينتهي العنف بجميع أشكاله. 

ومع ذلك، هناك بصيص من الأمل في سعينا لإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي. ومن الانتصارات الأخيرة التي حققناها تأييد الحظر المفروض على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في غامبيا. هذا الأمر يستحق الاحتفال. كما أنّه بمثابة تذكير بأهمية عدم التقاعس عن العمل.

من غير الصائب أن يتم التصدي لحقوق المرأة، والحقوق الإنجابية، وحقوق مجتمع الميم الموسّع، وأن تتم عرقلة ولاية المؤتمر الدولي للسكان والتنمية. ومن غير الصائب أيضاً يتم تجريم الرعاية الصحية. يجب إيقاف هذه الأمور.  

تحدث جميع هذه الأمور في وقت تزداد فيه أوجه عدم المساواة، والأزمات، وأعباء الديون، والتحديات الاقتصادية، ما يزيد عدد الأشخاص الذين يُتركون خلف الركب. وهي مسألة سنناقشها في جلستنا بعد الظهر تحت عنوان "معالجة أوجه انعدام المساواة من أجل تنفيذ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية".

كيف يمكننا دفع عجلة التقدم إذا لم ندافع بجرأة وصراحة ووضوح؟ هذا يعني التواصل مع المجتمعات، بما في ذلك الرجال والفتيان، والعمل مع المنظمات الشعبية، والقادة التقليديين والسياسيين والزعماء الدينيين، والعاملين في مجال الصحة. وبفضل هذه الجهود، تم إنقاذ أكثر من 160,000 فتاة من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، ووصلت رسائل وسائط الإعلام حول أضرارها إلى أكثر من 66 مليون فرد.

السيد الرئيس، أعضاء المجلس الكرام،

لقد تحدثت عن التزامنا بتعزيز ثقافة أخلاقية ومحترمة في صندوق الأمم المتحدة للسكان، ويَسرّني أن أرحب بمستشارة شؤون الأخلاقيات الجديدة في الصندوق، الآنسة ميريام بايلي، في جلستها الأولى مع المجلس. تأتي ميريام بخبرة واسعة في الأمم المتحدة وبالتزام عميق بتعزيز المعايير الأخلاقية والنزاهة،

كما يَسرّني أن أعلن عن تعيين الآنسة إيفا غوريتشنيك، مراقبة مالية ومديرة شعبة الخدمات الإدارية، وهو الدور الذي شغلته منذ تشرين الثاني/نوفمبر. على مدى عقدين من الزمن، عملت إيفا بجد لضمان استخدام الموارد المالية لصندوق الأمم المتحدة للسكان بفعالية وكفاءة، وأنتظر بلهفة المزيد من مساهماتها.

السيد الرئيس، 

يحقق صندوق الأمم المتحدة للسكان نتائج ملموسة. كما أبلغناكم بالتفصيل خلال الجلسة التي عقدت في حزيران/يونيو، لا يمكن تحقيق هذه النتائج إلا بدعم شركائنا من القطاعَين العام والخاص ومن القطاع الخيري. أشكرهم على ثقتهم بنا وعلى التزامهم تجاه المجتمعات التي نعمل من أجلها. وأتوجّه بالشكر أيضاً إلى موظفينا المخلصين الذين يعملون يداً بيد لتقديم الخدمات إلى النساء والفتيات والشباب في تلك المجتمعات.

وبفضل هذا الدعم، تجاوز صندوق الأمم المتحدة للسكان مرة أخرى في عام 2023 حاجز التمويل البالغ مليار دولار للعام السابع على التوالي. إذ بلغ إجمالي التمويل أكثر من 1.4 مليار دولار، ما يدل على استمرار الثقة في صندوق الأمم المتحدة للسكان، ما يدفعنا لمضاعفة الجهود التي نبذلها لإنقاذ حياة النساء والفتيات وتحسينها. 

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ التمويل الأساسي قد انخفض في عام 2023 إلى نسبة 27 في المائة من إجمالي الموارد، دون الهدف المحدد في اتفاق التمويل. 

بعد انخفاض بنسبة 30 في المائة في المساهمات في الصناديق المواضيعية لعام 2023، نرى لحسن الحظ أنّ صندوق الأمم المتحدة للسكان يتمتع بإمدادات قوية للتمويل في عام 2024. لقد كثّفنا جهودنا لحشد الأصدقاء وجمع التبرعات، ونحصد الآن نتائج ذلك. فقد أعلنت السيدة ميليندا غيتس في العام الماضي عن التزام هائل وطويل الأجل قطعته مؤسسة بيل وميليندا غيتس لتوفير ما يصل إلى 100 مليون دولار لشراكة الإمدادات في صندوق الأمم المتحدة للسكان. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت مؤسسة صندوق الاستثمار للأطفال عن نيتها تقديم 50 مليون دولار لتمويل السلع الأساسية. 

هذه الاستثمارات المنقذة للأرواح التي تنفذها شراكة الإمدادات في صندوق الأمم المتحدة للسكان تدعم عملنا نحو إنهاء الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة وتحقيق "الأصفار الثلاثة". إنه من دواعي سرورنا أن نرى العديد من البلدان الشريكة تلتزم بزيادة مخصصات الميزانية المحلية لوسائل تنظيم الأسرة، وندعو جميع الدول الأعضاء لدعم هذه الشراكة.

ويشارك صندوق الأمم المتحدة للسكان بنشاط وبصورة بنّاءة مع شركائنا، بما في ذلك أفرقة الأمم المتحدة القطرية. وتبقى المساهمات الآتية من صناديق الأمم المتحدة للتمويل الجماعي ومن سائر كيانات الأمم المتحدة أكبرَ مصدر منفرد للأموال من الجهات المانحة لدينا، وقد شهدت زيادة كبيرة على المستوى القطري.   

فضلاً عن ذلك، سجّل عام 2023 زيادة في التمويل الآتي من المؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص. 

منذ ثلاثة عقود في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، مَن كان ليتصور حجم وتعقيد الأزمات الإنسانية التي نواجهها اليوم؟ لقد تضاعفت الاحتياجات بشكل كبير، ونحن نسعى جاهدين لمواكبتها. 

ارتفع التمويل الموجّه للعمل الإنساني والذي تلقاه صندوق الأمم المتحدة للسكان بنسبة 20 في المائة في عام 2023، ليصل إلى 43 في المائة من التمويل غير الأساسي. ومع ذلك، حتى نهاية حزيران/يونيو، لم يتم تمويل سوى 18 في المائة من النداء الإنساني العالمي لعام 2024 الذي أطلقه صندوق الأمم المتحدة للسكان والبالغ 1.2 مليار دولار.

أود أن أتوجّه بالشكر للشركاء الذين ساهموا في الصندوق المواضيعي الإنساني، وهو بمثابة تمويل حيوي ومرن يتيح لنا التكيف بسرعة مع الاحتياجات والبيئات المتغيرة. 

بينما نخطط لدورة الخطة الاستراتيجية القادمة للفترة 2026-2029، يساورنا قلق عميق بشأن مستقبل التمويل الأساسي. يُعد التمويل المرن شريان الحياة لجميع برامجنا التي تدعم الحكومات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة و"الأصفار الثلاثة"، ونشجع جميع الدول الأعضاء على الالتزام بتوفير الموارد الأساسية. 

تؤدي الاستثمارات في الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية إلى فوائد كبيرة وملموسة، وتظل "أفضل استثمار" لتحقيق التنمية المستدامة.

ومع انخفاض المساهمات الأساسية في جميع الوكالات، يكتسب استرداد التكاليف أهمية متزايدة، ويتطلع صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى موافقة المجلس على السياسة المنقحة لاسترداد التكاليف.

يسعدنا الدعم الذي تقدمه الدول الأعضاء لاتفاق التمويل 2.0، ونحن مستعدون للتعاون بشكل أكبر مع شركائنا في الأمم المتحدة والدول الأعضاء من أجل المضي قدماً في هذا الاتجاه، بما في ذلك خلال جلسة الحوار المنظم بشأن التمويل يوم الأربعاء.

السيد الرئيس، أعضاء المجلس التنفيذي،

دعونا نواجه الحقائق. يواجه صندوق الأمم المتحدة للسكان تحديات جسيمة واحتياجات متزايدة، في حين أنّ المصالح المتنافسة فيه تقوّض المساعدة الإنمائية الرسمية، وتضعف الميثاق الاجتماعي، و تتزعزع فيه أسس النظام المتعدد الأطراف. 

مع تصاعد النزاعات المستعصية في العديد من الحالات، انهارت المجتمعات في جميع أنحاء العالم. وما يثير القلق بشكل أكبر، هو أننا نشهد رغبة متزايدة في شن الحروب ضدّ أجساد النساء وعليها. 

لا يمكننا أن نتجاهل الأثر الناجم عن أزمة تغير المناخ والذي يتصاعد بسرعة. ومن بين تأثيرات أخرى، يبدو أنّ الإجهاد الحراري قد يعرّض صحة النساء الحوامل وأطفالهنّ للخطر، ما يزيد من احتمالية الولادة المبكرة والإملاص. في الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف المنعقد في أذربيجان، سيواصل صندوق الأمم المتحدة للسكان إطلاق تحذيره بشأن الثمن غير المتناسب الذي تدفعه النساء والفتيات في مواجهة تغير المناخ.

وفي مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بالبلدان النامية غير الساحلية المنعقد في بوتسوانا في كانون الأول/ديسمبر المقبل، سيؤكد صندوق الأمم المتحدة للسكان مجدداً تضامنه مع أقل البلدان نمواً والبلدان النامية غير الساحلية من أجل النهوض بجدول أعمال المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، كما فعلنا مع الدول الجزرية الصغيرة النامية في المؤتمر الدولي الرابع المعني بالدول الجزرية الصغيرة النامية الذي انعقد في أيار/مايو الماضي.

كان العام الماضي الأكثر دموية بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني. وفي وقت سابق هذا الشهر، في اليوم العالمي للعمل الإنساني، وقف صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى جانب شركائه في اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات لحث الدول الأعضاء على حماية العاملين في المجال الإنساني، وإنهاء الهجمات على جميع المدنيين والبنية التحتية التي يعتمدون عليها، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني. 

مع اقتراب الحرب في غزة من شهرها الحادي عشر، يواجه جميع سكان القطاع تقريباً مستويات مأزومة في الجوع، بما في ذلك ما يقدر بنحو 49,000 امرأة حامل. يبدو قطاع الرعاية الصحية منهاراً. إذ يبلغ الأطباء عن زيادة حالات الولادة المبكرة والأطفال منخفضي الوزن عند الولادة، وتصدر أيضاً تقارير عن ولادات طارئة في الخيام بدون أي دعم طبي، ويواصل صندوق الأمم المتحدة للسكان تقديم خدمات منقذة للأرواح لدعم الصحة الجنسية والإنجابية والتصدّي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما يدعم 15 مركز طبي متنقل ويشغّل أربع عيادات متنقلة ووحدتين لصحة الأمهات. 

لقد عمدنا أيضاً إلى توسيع نطاق عملياتنا في جنوب لبنان ونقوم بالتجهيز المسبق للإمدادات.

في جميع أنحاء السودان، تواجه ما يقدر بنحو 1.2 مليون من النساء الحوامل والمرضعات سوء التغذية الحاد. كما أنّ النزاع المدمّر في البلد قد أدّى إلى تفاقم خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويحتاج أكثر من 3.5 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب إلى خدمات صحية.  يوسّع صندوق الأمم المتحدة للسكان خدمات دعم الصحة الجنسية والإنجابية والتصدّي للعنف القائم على النوع الاجتماعي في المناطق المتضررة من المجاعة، كما أنه يوسّع وجوده التنفيذي من خلال إنشاء مركزين جديدين، ليصبح المجموع خمسة مراكز، لدعم التدخلات البرنامجية في جميع أنحاء البلاد. 

أمّا في هايتي، وعلى الرغم من الوصول الإنساني المحدود، يسعى صندوق الأمم المتحدة للسكان هذا العام إلى إيصال خدمات الصحة الجنسية والإنجابية إلى 680,000 شخص وإلى إيصال خدمات الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والتصدي له إلى 300,000 شخص. 

وفي ميانمار، تمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان العام الماضي من الوصول إلى 770,000 شخص بحاجة إلى المساعدة، وذلك بفضل شبكتنا المكوّنة من 23 شريكاً منفذاً. 

يسعى صندوق الأمم المتحدة للسكان  إلى تطبيق نهج ملاءمة السياق المحلي. وهذا جزء من التزامنا بالمساءلة أمام السكان المتضررين. لقد شهدنا بالفعل زيادة ملحوظة في عدد المنظمات التي تقودها النساء والتي تتآزر مع صندوق الأمم المتحدة للسكان إثر دعوتها كجزء من مجال مسؤوليتنا المتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. 

أتقدم بالشكر إلى موظفينا في المجال الإنساني الملتزمين والشجعان، الذين يعملون بجد لضمان إعمال الحقوق والحماية للنساء والفتيات وسائر الفئات المهمشة في صميم كل استجابة إنسانية.

السيد الرئيس،

عندما نسمع أنّ بعض السكان يصعب الوصول إليهم، فهذا يعني عادةً أننا لا نبذل الجهود الكافية. لحسن الحظ، بدأت هذه الأمور تتغير.

على سبيل المثال، يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان في كولومبيا برنامج Partera Vital للقبالة في المجتمعات، وهو برنامج يزوّد القابلات الكولومبيات من أصول أفريقية والقابلات من الشعوب الأصلية بالمهارات والأدوات الحديثة لتقديم خدماتهنّ وإجراء الإحالات للرعاية الصحية الطارئة. في عام 2022، نجح البرنامج في خفض وفيات الأمهات إلى معدل صفر في هذه المجتمعات. علاوةً على ذلك، تتلقى القابلات تطبيقاً على الأجهزة النقالة يتيح لهنّ تسجيل الولادات، وهذا الأمر يُعدّ خطوة رئيسية إلى الأمام في مسيرة الاعتراف بخدماتهنّ.

شيرلي ماتورانا أوبريغون، التي ولدت طفلها بمساعدة قابلة تقليدية وقد أصبحت اليوم قابلة بنفسها، تصف مهنتها على النحو التالي: "نحن موجودون لتحقيق أحلام النساء."

فهذا أيضاً هو هدف صندوق الأمم المتحدة للسكان لصالح كل امرأة وفتاة.

في هذا الصدد، أختتم كلمتي بالتعبير عن التقدير لحكومتَي كولومبيا والبرازيل على رعايتهما المشتركة لقرار الجمعية العامة A/78/L.96 الذي أعلن تاريخ 25 تموز/يوليو "اليوم الدولي للنساء و الفتيات المنحدرات من أصل أفريقي". فبالنسبة للنساء والفتيات اللواتي يعانين من تفاوتات صحية وغيرها من تأثيرات العنصرية الهيكلية والتمييز، يمثل هذا اليوم خطوة أخرى مهمة نحو العدالة والتقدير.

أصحاب السعادة،

أود الآن أن أمنح الكلمة للدكتور سينين هونتون، المدير الإقليمي لغرب ووسط أفريقيا، الذي سيشاركنا بعض من أبرز أنشطة صندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة.

[يتكلم سينين لمدة 4 دقائق]

شكراً لك، سينين.

السيد الرئيس، أعضاء المجلس التنفيذي الكرام،

كتبت ماريا ريسا، الصحفية الحائزة على جائزة نوبل: "العالم الذي نعرفه قد دُمّر. وعلينا أن نقرر الآن أي عالم نريد أن نبني ." 

نسعى في صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى بناء مستقبل يكون فيه الجميع قادراً على العيش "في حرية أرحب نطاقاً"، كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة.

الحرية الإنجابية، والتحرر من العنف والخوف، ومن التحيز والتمييز، والتحرر من الجوع وانعدام المساواة، ومن الاستقطاب والصراع.

الحرية في اتخاذ القرارات المتعلقة بجسد كل واحد منا، والحرية في اختيار إنجاب الأطفال من عدمه وفي اختيار التوقيت لذلك، والحرية في اختيار المرء من يحب، والحرية في التعلم والابتكار.

فهذا هو المستقبل الذي نتخيله لكل فتاة، وهذا المستقبل هو ملك أيدينا.

يسعى صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى مواصلة سيره على طريق التقدم برفقتكم لبناء هذا المستقبل، ولا سيّما من خلال ميثاق المستقبل، وإعلان الأجيال المقبلة، والاتفاق الرقمي العالمي. 

أتطلع إلى مناقشتنا المقبلة.

شكرا لكم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط والمعرفات الأخرى للمساعدة في تحسين تجربتك عبر الإنترنت. باستخدام موقعنا الإلكتروني توافق على ذلك، راجع سياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا.

X