ماذا يُقصَد بالاستقلالية الجسدية؟

صورة صورة صورة أيقونة

يُقصد بمفهوم الاستقلالية الجسدية أن تكون لدى النساء القوة والقدرة على اتخاذ قراراتٍ تتعلق بأجسادهن ومستقبلهن دون عنفٍ أو إكراه. ويشمل ذلك اتخاذ القرارات المتعلقة بممارسة العلاقة الحميمية كما يشمل أيضاً اتخاذ القرار بشأن الرغبة في الحمل، وتوقيته وعدد الأطفال. وتعني الاستقلالية الجسدية أيضاً حرية مراجعة الطبيب كلما كانت هناك حاجة إلى ذلك.

ومع ذلك، تواجه النساء والفتيات - بل والأشخاص جميعاً - قيوداً بشأن استقلاليتهم الجسدية. ويمكن أن تكون العواقب المترتبة عن ذلك وخيمة فيما يتعلق بصحتهم ورفاههم وإمكاناتهم في الحياة. وثمة ارتباطٌ وثيق بين الاستقلالية الجسدية والحق في السلامة الجسدية الذي يكفل للإنسان السلامة من أي ممارسات جسدية لا تلق رضاهم.

قد يؤثر ذلك على صحتها النفسية ورفاهها الاجتماعي وعلاقتها بشريكها ...

تُنتهَك الاستقلالية الجسدية والسلامة الجسدية عندما يمنع الزوج المرأة من استخدام وسائل تنظيم الأسرة. وتُنتهَك الاستقلالية الجسدية والسلامة الجسدية عندما تُجبَر النساء والفتيات على ممارسة الجنس غير المرغوب فيه مقابل مسكنٍ وغذاء. وتُنتهَكان أيضاً عندما يتعذّر على ذوي الميول الجنسية والهويات الجنسانية المختلفة السير في الشارع بلا خوف من التعرض لاعتداء أو إهانة. وتُنتهَكان كذلك عندما تُحرم ذوي الإعاقة من حقوقهن في تقرير المصير، ومن التحرر من العنف والتمتع بحياة جنسية آمنة مُرضية.

بعض هذه الانتهاكات، مثل الاغتصاب، تُجرَّم صراحةً وتُدان على نطاقٍ عام. بيْد أنّ كثيراً من الأشكال الأخرى تُرتكَب تحت غطاء الأعراف والممارسات وحتى القوانين، ومعظمها مدفوع بأوجه التفاوت المتأصلة بين الجنسين.

يوجد هنا قاسم مشترك، ألا وهو حق الذكر في السيطرة على الشريكة.

ترخيصٌ بالانتهاك

قائمة ببعض الطرق التي تبرر بها المجتمعات انتهاكات الاستقلالية الجسدية

فحص العذرية والفحص الشرجي القَسْري

2018

أفغانستان تحظر فحوصات العذرية القائمة دون موافقة

فحص العذرية والفحص الشرجي القَسْري

ينتهك فحص العذرية (الفحوصات الجراحية وغير العلمية "لإثبات" ما إذا كانت الفتاة أو المرأة قد مارست الجماع) والفحوصات الشرجية القَسْرية (الاختبارات الجراحية وغير العلمية "لإثبات" السلوك الجنسي المثلي) حقوق الإنسان والكرامة المكفولة للنساء والفتيات. وعندما تُجرى هذه الفحوصات دون موافقتهن، فإنها ترقى إلى حدّ التعذيب. ومع ذلك، لا تزال هذه الفحوصات منتشرة في أنحاء شتّى من العالم.

التعقيم القَسْري واستخدام وسائل منع الحمل

87%

من البلدان

موافقة كاملة وحرة ومستنيرة بشأن وسائل تنظيم الأسرة/التعقيم*

التعقيم القَسْري واستخدام وسائل منع الحمل

ينطوي استخدام وسائل منع الحمل القَسْري والتعقيم القَسْري على تاريخ مروع وعالمي. ففي بلدان شتّى حول العالم، تعرّض أشخاص من ذوي الإعاقة ومن المجتمعات الأصلية والأقليات المضطهدة، وفي بعض الحالات النساء بشكل عام، لوسائل منع الحمل القَسْرية أو التعقيم لأسباب تتراوح بين تحسين النسل والحد من زيادة السكان. ويُعد التعقيم غير الطوعي أو منع الحمل انتهاكاً لحقوق الإنسان والأخلاقيات الطبية.

* من بين 104 بُلدان رفعت بياناتها

جرائم الاغتصاب الناجمة عن معاداة المثليين ومغايري الهوية الجنسانية

هناك ما يقرب من

300

مليون شخص

حول العالم يعرّفون عن أنفسهم بأنهم من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين

جرائم الاغتصاب الناجمة عن معاداة المثليين ومغايري الهوية الجنسانية

غالباً ما ينظر الجناة إلى الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي المُرتكَبة في حق الأفراد غير المتوافقين جنسانياً أو الأشخاص من ذوي الميول الجنسية المتنوعة باعتباره "علاجياً" أو "تصحيحياً". وكثيراً ما يُقابل هذا العنف بالإفلات من العقاب من قبل المجتمعات المحلية أو النظم القانونية.

الزواج القَسْري وزواج الأطفال

هناك ما يقرب من

12

مليون فتاة

يُزوَّجن سنوياً

الزواج القَسْري وزواج الأطفال

يحظر القانون زواج الأطفال على نطاق واسع، بيْد أنّه لا يزال يؤثر على نسبة كبيرة من الفتيات حول العالم. وكثيراً ما تُحرم الخاضعات لزواج الأطفال من حقهن في اتخاذ قرارات بشأن صحتهن الجنسية والإنجابية، أو غالباً ما يفتقرن إلى معلومات دقيقة في هذا الشأن. وتنجم حالات الزواج القَسْري نتيجة للممارسات في المجتمعات الأبوية وتصبح العروس بتلك الممارسات سلعة أو ملكية يمكن امتلاكها أو شراؤها أو بيعها أو مقايضتها، دونما اعتبار لحقوقها أو استقلاليتها. كما أن الجنس القَسْري وحالات الحمل المبكر والمتعاقب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعدلات مرتفعة من أمراض ووفيات الأمهات والأطفال، علاوة على تدهور الصحة العقلية.

تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان

تتعرض

4

مليون فتاة

على الأقل كل عام لخطر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث)

تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان

يُعد تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) انتهاكاً لحقوق الإنسان المكفولة للنساء والفتيات وأحد الأشكال المتطرفة للتمييز والعنف المُرتكَب في حقهن ، بهدف السيطرة على حياتهن الجنسية وأجسادهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية. وعندما تسوق الأسر والمجتمعات المحلية أسباباً ثقافية ودينية واجتماعية لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (الختان الإناث)، فإن مبررات الممارسة تتمحور حول الحاجة إلى تقليل الرغبة الجنسية عند النساء.

جرائم "الشرف"

هناك ما يقرب من

5,000

جريمة قتل دفاعاً عن الشرف كل عام

جرائم "الشرف"

تحدث جرائم الشرف في المجتمعات المحلية التي يُعد فيها ما يسمى بـ "شرف" الأسرة أهم من حياة الشخص المَعني، الذي عادة ما يكون امرأة، وذلك حال مخالفتها أعرافاً أو ضوابط معينة. وشملت مسوغات تلك الجرائم الانفصال عن الزوج الذي دفع ثمن العروس، أو رفض الدخول في زواجٍ مدبّر، أو الدخول في علاقة مع شخص من دين آخر أو من مجموعة عرقية أو طبقة أخرى، أو ممارسة الجنس قبل الزواج أو خارج إطاره، أو كون المرأة ضحية اغتصاب أو اعتداء، أو اعتبار الشخص مثلياً.

الاغتصاب في إطار الزواج وقوانين "الزواج من المُغتَصِب

43

الدول

لا يوجد فيها قوانين تتصدى للاغتصاب في إطار الزواج

الاغتصاب في إطار الزواج وقوانين "الزواج من المُغتَصِب

لم يتبلور الجنس القَسْري أو دون تراضٍ مع الزوج كمفهومٍ إلا في الآونة الأخيرة. ففي الماضي، كانت الأعراف الأبوية تنص على أنه بمجرد عقد الزواج، فإن الرجل "يتملك" جسد زوجته ويمكنه استخدامه لممارسة الجنس متى شاء. واليوم، يتزايد الاعتراف بالاغتصاب الزوجي باعتباره انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان. ومع ذلك، لا تزال بعض البلدان تسمح للزوج بممارسة الجنس سواء أرادت الزوجة ذلك أم لا، وهناك بلدان يمكن فيها للرجل الذي يغتصب امرأة أن يُفلت من العقاب إذا تزوجها.

الإكراه على الإنجاب

15-25%

تبلغ نسبة الانتشار التقديري للإكراه على الإنجاب في الولايات المتحدة

الإكراه على الإنجاب

الإكراه على الإنجاب هو أي سلوك يتخذه شخصٌ ما لفرض سيطرته على الصحة الإنجابية لشخص آخر أو لاتخاذ القرار في هذا الشأن. ويمكن أن يشمل ذلك إكراه الشريكة على الحمل ضد رغبتها وإكراه الشريكة على الإجهاض، والتدخل في وسائل تنظيم الأسرة مثل "الانسلال" (الإزالة دون تراضٍ للواقي الذكري في أثناء ممارسة الجنس). ويمكن أن يُرتكب الإكراه على الإنجاب من قِبل الشريك الحميم أو الأسر أو أفراد المجتمع المحلي.

الحرمان من التربية الجنسية الشاملة

هناك ما يقرب من

56%

من البلدان

لديها قوانين/سياسات تدعم التربية الجنسية الشاملة

الحرمان من التربية الجنسية الشاملة

إنّ المحظورات المتعلقة بتلقّي تربية جنسية شاملة والمخاوف من تحفيز الشباب "جنسياً" تعني أن كثيراً من المراهقات يصلن إلى مرحلة البلوغ دون معلومات دقيقة عن أجسادهن وصحتهن الإنجابية. ونتيجة لذلك، يصبحن غير قادرات على اتخاذ قرارات مسؤولة عن أنفسهن وعلاقاتهن.

* من بين 98 بلداً قدمت بيانات كاملة؛ هناك حوالي

2018

أفغانستان تحظر فحوصات العذرية القائمة دون موافقة

فحص العذرية والفحص الشرجي القَسْري

ينتهك فحص العذرية (الفحوصات الجراحية وغير العلمية "لإثبات" ما إذا كانت الفتاة أو المرأة قد مارست الجماع) والفحوصات الشرجية القَسْرية (الاختبارات الجراحية وغير العلمية "لإثبات" السلوك الجنسي المثلي) حقوق الإنسان والكرامة المكفولة للنساء والفتيات. وعندما تُجرى هذه الفحوصات دون موافقتهن، فإنها ترقى إلى حدّ التعذيب. ومع ذلك، لا تزال هذه الفحوصات منتشرة في أنحاء شتّى من العالم.

تحقيقات صحفية

  1. Thumbnail Rebeka Artim
  2. Thumbnail Tyler Spangler
  3. Thumbnail Kaisei Nanke
  4. Thumbnail Rebeka Artim
  5. Thumbnail Rebeka Artim
  6. Thumbnail Rebeka Artim
إغلاق

استشعار التهديد من حياة المرأة الجنسية

تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) لا يعد مجرد مسألة صحية؛ بل من المسائل الجنسية.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ مصدر الصورة: هناء لوبيز على موقع Unsplash.

الثقافة والتقاليد والدين هي من بين أكثر الدوافع شيوعا للممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث)؛ غير أن الرغبة الجنسية المكبوتة تكاد تكون مفهومة عالمياً بوصفها من إحدى نتائج تلك الممارسة، بل إنها تعد محفزاً رئيساً لها. وقد جادل الكثير من مناصري تشويه الأعضاء التناسلية للإناث أن الحياة الجنسية غير المكبوحة الجماح للأنثى إنما هي تهديد للعفاف والشرف والفضيلة (بيرغ ودينيسن، 2013).

يرى الخبراء أن الحديث الصريح عن الحياة الجنسية للمرأة والسلامة الجسدية والاستقلالية الجسدية قد تشكّل لهذه الممارسة التشويهية ترياقاً غير متوقّع.

كما أن الجهود المبذولة للقضاء على ذلك التشويه قد انطلقت من الأضرار الجسدية الناجمة عنها تاريخياً، ومن بينها النزف والإنتان ومضاعفات مستقبلية عند الولادة، وصولاً إلى الوفاة. ومن ثم، فإن التركيز على التبعات الجسدية يتم استقباله بسهوله أكبر في المجتمعات المحافظة، حيث يكون الحديث عن الحياة الجنسية للأنثى من المحرمات. لكن التركيز على الأضرار الجسدية وحدها قد يفضي - دونما قصد - إلى نقل الكلام إلى الجانب الطبي للممارسة، أو ممارسة أنواع أخرى من القطع، بدلاً من تركها بالكلية (باول ويوسف، 2021).

أما التوسع في تلك المناقشات لتشمل توصيفا أميناً للأضرار الجنسية الناجمة عن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) فقد ساعدت وفاء بنيامين بسطة (طبيبة التوليد وأمراض النساء في مصر) على إقناع والديها برفض تلك الممارسة. كما أن توضيح الأضرار التي تشمل العجز عن بلوغ النشوة الجنسية والألم المصاحب للعلاقة الحميمية واجتنابها بسبب الاضطراب النفسي اللاحق للإصابة هو توضيح من شأنه أن يشكل رادعاً فعالاً، خصوصاً "إذا كانت الأم قد مرت بتجربة قاسية خلال الختان وهي صغيرة، أو مرت بمشاكل في حياتها الزوجية بسببه" كما تقول الدكتورة وفاء بسطة.

تتحدث الطبيبة باسترسال عن العواقب الاجتماعية والنفسية التي تنال من المرأة، فتقول: "قد يؤثر ذلك في صحتها العقلية، ورفاهها الاجتماعي، وعلاقتها بشريك الحياة؛ وهو ما قد يؤثر تأثيراً شديداً في مفهوم الأسرة في حد ذاته."

من الأسباب التي تمكّن الدكتورة بسطة من إجراء تلك المناقشات الصريحة عملها كطبيبة، إذ تقول: "يوجد رابط بين المريض والطبيب، والأهم من ذلك هو القبول المتنامي لحقوق المرأة وتمكينها في مصر، أي أن الأفكار تتغير، خصوصاً عند الأجيال الجديدة."

ومع تراجع المخاوف من الحياة الجنسية للأنثى واتساع النظرة إلى الرفاه الجنسي ضمن الإطار الأشمل للصحة النفسية والاجتماعية، بات من الأيسر إعادة النظر في ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث).

تضيف الدكتورة وفاء بسطة أن مشاهداتها مقصورة على المناقشات السرية التي تتاح لها مع مريضاتها، وأن الارتياح إلى طرح تلك الموضوعات يختلف باختلاف المجتمع والطبيب الممارس. ومع ذلك، فإنها شاهدة على تقدم كبير قد تحققَ خلال السنوات القليلة الماضية، وهي مستبشرة بالمستقبل من حيث القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) وتعزيز الصحة الجنسية والرفاه الجنسي للمرأة. وعن ذلك تقول: "لا حرج مطلقاً في الحديث عن ذلك."

إغلاق

التعبير عن الانتهاك

عملت ليدي لندنو في مجال تقديم الدعم والمعلومات اللازمة للناجين من الاعتداء الجنسي، وذلك بشكلٍ مباشر وجهاً لوجه وعبر الهاتف، وكذلك عبر الدردشة الإلكترونية.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة © صندوق الأمم المتحدة للسكان/ر. زيرزان.

عملت ليدي لوندونو في مناصرة الناجيات في الولايات المتحدة على مدار سنين، اعتادت في خلالها سماع تعبيرات عن الصدمة والخوف والخزي يستعملها الأشخاص في صراعهم مع تبعات الاعتداء الجنسي. كما تخلل ذلك إنصاتها لضحايا لا تكاد تجد كلمات للتعبير عن شكلٍ من أشكال الانتهاك الجنسي، وهذه ظاهرة شديدة الانتشار لكنها غير مفهومة على النحو الصحيح؛ حتى بالنسبة إلى من عايشوها أو ارتكبوها: ألا وهي الإكراه الإنجابي.

رافقت لوندونو ناجيات إلى المستشفيات وقدمت استشارات لهن عبر الخط الساخن، فتوضح تلك الظاهرة قائلةً: "تنطوي هذه الظاهرة على سلوكيات يتخللها لجوء الشريك أو شخص ما إلى استدامة القوة والسيطرة في إطار علاقة متعلقة بالصحة الإنجابية." تعمل لوندونو محاضرةً ومديرَ برامج حالياً لدى مؤسسة Planned Parenthood في واشنطن العاصمة. وتضيف: "تتخذ هذه الظاهرة أشكالاً كثيرة. إذ توجد محاولات صريحة لإخصاب الشريكة بالمخالفة لرغبتها. وقد يتعلق الأمر بالسيطرة على نتائج الحمل، أو إكراه الشريكة على ممارسة جنسية دون وقاية، أو التدخل الصريح أو الضمني في وسائل تنظيم الأسرة، أو الكذب أو الخداع بخصوص طرق تنظيم الأسرة."

تفتقر الناجيات إلى لغة مشتركة لوصف انتهاك محدد تعرضن له عندما حُرمن من السيطرة على خصوبتهن أو صحتهن الجنسية، سواءً وافقن على اللقاء الجنسي أم لا. وبدون كلمات تحدد جوانب هذه التجربة فإنهن غالباً ما يعبّرن عن مشاعر التخبط واتهام الذات. تتذكر لوندونو شابة اكتشفت أن شريكها نزع الواقي الذكري خلسةً في أثناء الجماع – وهذا تصرف يُعرف باسم "الانسلال"، وتصف ذلك بقولها: "تساءلت الضحية في البداية: هل أنا أضخّم الأمر؟"

إن مفهوم "الإكراه الإنجابي" حديث نسبياً، فمعظم الدراسات التي عنيت بهذا الموضوع خلال العقدين الماضيين كان أغلبها في الولايات المتحدة حيث تشير التقديرات إلى شيوع الإكراه الإنجابي بنسبة 15 إلى 25 في المائة (بارك وآخرون، 2016). لكن الدراسات الحديثة تبين أن هذه الظاهرة منتشرة عالمياً، ولا يقترفها الشركاء فحسب، بل تجاريهم في ذلك الأسر وأفراد المجتمع (غريس وفليمنغ، 2016). وربما وجدت تلك الظاهرة تواطؤاً من النظم الصحية من خلال سياسات تشترط إذن الزوج قبل لجوء المرأة إلى تنظيم الأسرة، على سبيل المثال لا الحصر.

عملت ديبيكا بول لعقود بصفة باحثة في الصحة الجنسية والإنجابية في بنغلادِش، ومع ذلك تقول إنها لم تكن على دراية بمصطلح الإكراه الإنجابي. لذا جنحت هي والكوادر الصحية وأنصار الحقوق إلى التحدث عن "عوائق تنظيم الأسرة".

واليوم، أصبحت بول خبيرة في هذا الموضوع. وانطلاقاً من عملها مستشارةً لدى إبسا في دكا، فإنها تشهد أشكالاً كثيرة من الإكراه الإنجابي، وعنها تقول: "بالنسبة إلى الأزواج الرجال... من الممكن ابتداء الموضوع معهم بقولنا "لا تستعن بأية وسيلة لتنظيم الأسرة،" ثم تتبع الزوجة رأي الزوج. وقد يصل الأمر إلى العنف الشديد، إذ أحياناً ما يلجأ الزوج إلى منع الطعام أو المال عن الزوجة إن هي رغبت في مواصلة استخدام وسائل تنظيم الأسرة." وغالباً ما يرتبط هذا العنف "بالأزواج الرجال" أو بأفراد الأسرة الآخرين الراغبين في إنجاب مزيد من الأطفال أو في إنجاب ذكور." وتضيف الخبيرة إنها تجد حالات للاستخدام القسري لوسائل تنظيم الأسرة وللإجهاض القسري.

لا يشيع اعتبار تلك التصرفات القسرية من أشكال العنف لأن الإنجاب قد يُنظر إليه باعتباره قرار أسرة. هنا تقرر بول أن "عائلة الزوج تنهض بدور ضخم." وأصدق ما يكون ذلك على الزوجات الصغيرات والقاصرات؛ علماً بأن متوسط عمر الزواج هو 16 وفق الدراسة الاستقصائية الديمغرافية والصحية التي أجريت في العام 2018. لذا تقرر الخبيرة أنه "من الصعب على الشابات اتخاذ قراراتهن وحدهن."

ومع ذلك، ثمة ارتباط واضح بين الإكراه الإنجابي والعنف، لذا تقدّر بول من واقع دراسة تعكف عليها أن ثلاثة نساء من بين كل خمس قلن إنهن تعرض للإكراه الإنجابي قد تعرضن أيضاً للعنف الجنسي أو الجسدي على أيدي أزواجهن.

استهل جاي سيلفرمان، الأستاذ بكلية الطلب في سان دييغو بجامعة كاليفورنيا، مسيرته المهنية بالعمل مع الرجال والفتيان الذين اقترفوا عنف الشريك الحميم. وعكف منذ ذلك الحين على دراسة الإكراه الإنجابي في بنغلادِش والهند وكينيا والنيجر والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الإكراه الإنجابي قد يكون من فعل أفراد الأسرة من الإناث أحياناً، إلا أن هذا الانتهاك متأصل في عدم المساواة بين الجنسين كما يرى سيلفرمان.

فيقول: "يوجد قاسم مشترك هنا، ألا وهو حق الذكر في السيطرة على الشريكة... وعند مستوى ما من هذا الوعي الذي يحمله الرجل فإن اعتقاده في الحق في السيطرة هو شيء شائع في معظم مجتمعاتنا على ما أظن."

يعكف سيلفرمان وزملاؤه، بمن فيهم إيباس في بنغلادِش، على تجربة أدوات لمساعدة الكوادر الصحية في استجلاء حالات الإكراه الإنجابي، ومن ذلك صياغة أسئلة بخصوص توجهات الشريك وسلوكياته. وبمجرد الإقرار بوقوع الإكراه يمكن للمرأة إعادة فرض استقلاليتها الجسدية بسبل منها اختيار طرق تنظيم الأسرة التي يعسر على الشريك رصدها.

لكن حتى وإن لم تجد المرأة مفردات لوصف الإكراه الإنجابي فإن سيلفرمان يقول: "أعتقد أيضاً أن الإنسان يقاوم الشعور بالسيطرة عليه بالفطرة... وهناك كثير من استراتيجيات التأقلم التي استحدثتها نساء في مجتمعات حول أنحاء العالم بُغْيَة التأقلم مع الإكراه الإنجابي، بما في ذلك تقديم الدعم من امرأة لأخرى. وهذا مسلك طبيعي في كل مكان، فلطالما وُجدِت امرأة - سواء أكانت جارة أم من الأسرة - تُخفي الحبوب لامرأة أخرى أو تعينها على الذهاب إلى العيادة." كذلك جرت العادة عندما توزِّع العيادات منشورات بخصوص الإكراه الإنجابي وعنف الشريك وكيفية طلب المساعدة فإن المرأة غالباً ما تأخذ "ما استطاعت" منها حتى توزعها على أخريات.

إن معظم العبء المرتبط بالتصدي للإكراه الإنجابي واقع على مقدمي الخدمات الذين غالباً ما يواجهون التزاماً مزدوجاً: إذ يجب عليهم تحقيق التوازن بين إشراك الرجال في مسائل الصحة الإنجابية دونما تسليمهم كامل زمام القرار في هذا الصدد. وعن ذلك يقول سيلفرمان: "أصبحت مشاركة الرجل في مسائل الصحة الجنسية والإنجابية وصحة الأم والطفل من الأولويات على الصعيد العالمي." وقد ارتبطت مشاركة الرجل بزيادة في معدلات تنظيم الأسرة واستخدام وسائل تنظيم الأسرة وتحسين مخرجات العمل في مجالات صحة الأم والطفل (كرايل وآخرون، 2019؛ عساف وديفيس، 2018). لكن عندما يرغب الرجل في السيطرة على اختيارات الإنجاب الخاصة بالشريكة، "يصبح إشراك الرجل ضارّاً بوضوح."

والحق أن الرجال - بل الأشخاص من جميع تصنيفات النوع الاجتماعي والميل الجنسي - قد يقعون ضحيةً للإكراه الإنجابي. لذا ترى لوندونو أن "تجربة الإكراه الإنجابي قد تصيب أي شخص. "فالنساء في المجتمعات المهمشة يواجهن مستويات عنف بمعدلات متفاوتة، ويشمل ذلك الإكراه الإنجابي... لكن ذلك لا ينفي حقيقة مفادها أنني تحدثت إلى فتيان ورجال شباب ورجال في العموم يسعون إلى استجلاء حقيقة تجاربهم والتعبير عنها بكلمات وتسييقها".

لا بد من إتقان مفردات الإكراه الإنجابي، خصوصاً بين صناع السياسات. لذا ترى لوندونو أنه "عندما تكون قوانيننا وسياساتنا غامضة ولغتنا مبهمة، فلن يستفيد الناجون ولا الناجيات شيئاً."

كذلك لا بد من التوعية بالاستقلالية الجسدية، وقالت بول في أحد المشاريع الحديثة: "تحدثنا إلى نساءٍ، فاخترنَ هذه المفردات: جسدي، حقوقي"... واتفقن جميعاً على احتياجنا إلى بث هذه التوعية للجميع – وهي إنّ جسدي ملْكٌ لي."

نستخدم ملفات تعريف الارتباط والمعرفات الأخرى للمساعدة في تحسين تجربتك عبر الإنترنت. باستخدام موقعنا الإلكتروني توافق على ذلك، راجع سياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا.

X