تحقيقات قصص

إغلاق

استشعار التهديد من حياة المرأة الجنسية

تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) لا يعد مجرد مسألة صحية؛ بل من المسائل الجنسية.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ مصدر الصورة: هناء لوبيز على موقع Unsplash.

الثقافة والتقاليد والدين هي من بين أكثر الدوافع شيوعا للممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث)؛ غير أن الرغبة الجنسية المكبوتة تكاد تكون مفهومة عالمياً بوصفها من إحدى نتائج تلك الممارسة، بل إنها تعد محفزاً رئيساً لها. وقد جادل الكثير من مناصري تشويه الأعضاء التناسلية للإناث أن الحياة الجنسية غير المكبوحة الجماح للأنثى إنما هي تهديد للعفاف والشرف والفضيلة (بيرغ ودينيسن، 2013).

يرى الخبراء أن الحديث الصريح عن الحياة الجنسية للمرأة والسلامة الجسدية والاستقلالية الجسدية قد تشكّل لهذه الممارسة التشويهية ترياقاً غير متوقّع.

كما أن الجهود المبذولة للقضاء على ذلك التشويه قد انطلقت من الأضرار الجسدية الناجمة عنها تاريخياً، ومن بينها النزف والإنتان ومضاعفات مستقبلية عند الولادة، وصولاً إلى الوفاة. ومن ثم، فإن التركيز على التبعات الجسدية يتم استقباله بسهوله أكبر في المجتمعات المحافظة، حيث يكون الحديث عن الحياة الجنسية للأنثى من المحرمات. لكن التركيز على الأضرار الجسدية وحدها قد يفضي - دونما قصد - إلى نقل الكلام إلى الجانب الطبي للممارسة، أو ممارسة أنواع أخرى من القطع، بدلاً من تركها بالكلية (باول ويوسف، 2021).

أما التوسع في تلك المناقشات لتشمل توصيفا أميناً للأضرار الجنسية الناجمة عن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) فقد ساعدت وفاء بنيامين بسطة (طبيبة التوليد وأمراض النساء في مصر) على إقناع والديها برفض تلك الممارسة. كما أن توضيح الأضرار التي تشمل العجز عن بلوغ النشوة الجنسية والألم المصاحب للعلاقة الحميمية واجتنابها بسبب الاضطراب النفسي اللاحق للإصابة هو توضيح من شأنه أن يشكل رادعاً فعالاً، خصوصاً "إذا كانت الأم قد مرت بتجربة قاسية خلال الختان وهي صغيرة، أو مرت بمشاكل في حياتها الزوجية بسببه" كما تقول الدكتورة وفاء بسطة.

تتحدث الطبيبة باسترسال عن العواقب الاجتماعية والنفسية التي تنال من المرأة، فتقول: "قد يؤثر ذلك في صحتها العقلية، ورفاهها الاجتماعي، وعلاقتها بشريك الحياة؛ وهو ما قد يؤثر تأثيراً شديداً في مفهوم الأسرة في حد ذاته."

من الأسباب التي تمكّن الدكتورة بسطة من إجراء تلك المناقشات الصريحة عملها كطبيبة، إذ تقول: "يوجد رابط بين المريض والطبيب، والأهم من ذلك هو القبول المتنامي لحقوق المرأة وتمكينها في مصر، أي أن الأفكار تتغير، خصوصاً عند الأجيال الجديدة."

ومع تراجع المخاوف من الحياة الجنسية للأنثى واتساع النظرة إلى الرفاه الجنسي ضمن الإطار الأشمل للصحة النفسية والاجتماعية، بات من الأيسر إعادة النظر في ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث).

تضيف الدكتورة وفاء بسطة أن مشاهداتها مقصورة على المناقشات السرية التي تتاح لها مع مريضاتها، وأن الارتياح إلى طرح تلك الموضوعات يختلف باختلاف المجتمع والطبيب الممارس. ومع ذلك، فإنها شاهدة على تقدم كبير قد تحققَ خلال السنوات القليلة الماضية، وهي مستبشرة بالمستقبل من حيث القضاء على تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) وتعزيز الصحة الجنسية والرفاه الجنسي للمرأة. وعن ذلك تقول: "لا حرج مطلقاً في الحديث عن ذلك."

إغلاق

فخ الذهنية الذكورية

ألكسندر أرماندو موراليس تيك يقوم بتثقف الشباب حول المساواة بين الجنسين.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا; الصورة © صندوق الأمم المتحدة للسكان/ج. سيرانو عمل فني بواسطة ريبيكا أرتيم

تنعم مرتفعات غواتيمالا الوسطى بجمال خصيب باهر، لكنه يخفي تحت ظلاله واقعاً مظلماً للنساء والفتيات كما يرى ألغزاندر أرماندو موراليس تيكون، معلم الشباب من السكان الأصليين ونصير المساواة بين الجنسين في دائرة كيتشي الريفية. إذ يقول: "تُلام النساء في كثير من الأماكن حال تعرضهن لاعتداء بذريعة إغوائهن للمعتدين أو المغتصبين بسبب الملبس - مثلا ً- أو بسبب تصرفاتهن."

هذه التوجهات ليست غريبة على غواتيمالا التي تأتي في ذيل بلدان وأقاليم العالم الثالث بشأن تدابير سلامة المرأة ورفاهها حسب مؤشر جامعة جورجتاون بشأن المرأة والسلام والأمن لعام 2019. وفي الحقيقة فإن الضحايا حول أنحاء العالم يلحق بهنّ اللوم بذريعة تسببهن في العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال وجودهن في المكان غير المناسب، أو ارتداء ملابس غير مناسبة، أو التصرف بأسلوب غير لائق، أو لمجرد اكتمال النضج الجسدي في سن مبكرة. وغالباً ما تعد تلك العوامل من أسباب التخفيف عن الجناة أو تبرئتهم.

فمثلاً: شهد العام 1998 حكماً من المحكمة الإيطالية العليا بإلغاء إدانة رجل بالاغتصاب كانت ضحيته ترتدي بنطال جينز أزرق ضيقاً وقت الاعتداء عليها. وفي العام 2010 تعرضت فتاة في سن 11 للاغتصاب من عصابة زاد عدد فتيانها ورجالها على اثني عشر في الولايات المتحدة، وأفادت وسائل الإعلام المحلية بأن الضحية كانت معروفة بارتدائها ملابس لا تليق بسنّها. وفي أفغانستان، يجوز سجن الناجيات من الاغتصاب بتهمة ارتكاب "جرائم أخلاقية".

وعلى ذلك، فإن لوم الضحية وتشنيعها بدلاً من الجناة هو مسلك يعود أصله إلى الأعراف التي تشجع الرجال على الهيمنة – لا على جسد المرأة فحسب، بل على الأسرة أيضاً. يسترجع تيكون سؤالاً طرحه على مجموعة من الرجال عن سبب تطلعهم إلى الزواج، فأجاب أحدهم: "أريد أن أحكم أسرتي. أريد من يطهو لي، ويغسل لي ثيابي، ويلد لي، ويراعي بيتي."

يرى جاي سيلفرمن، الأستاذ بكلية سان دييغو للطب في جامعة كاليفورنيا؛ المتخصص في دراسة الإكراه الإنجابي، أن هذه التوجهات شائعة عالمياً. ويضيف: "حق الرجل في السيطرة على الشريكة غالباً ما يمتد إلى الأطفال. ويتقوى مفهوم ذلك الحق بكل أشكال الهياكل والأعراف المختلفة في المجتمعات المحلية والشعوب في أنحاء العالم."

لكن النتيجة ليست شكلا بسيطاً من أشكال التدافع بين الرجل والمرأة، حسب تحذير تيكون؛ فتلك الأعراف القائمة على النوع الاجتماعي قد تخلّف لدى الرجال شعوراً بالوقوع في الفخ أيضاً، وهذا رأي تيكون المستند إلى أن تلك الأعراف تدعو إلى "نموذج مهيمن من الذهنية الذكورية"؛ ذلك بأنها أعراف تربط "بين عدم الزواج وافتقار الذكر للرجولة. وأن الرجل إذا خلا من علاقة فهو عديم الرجولة."

أما النساء فينهضن بدور في ترسيخ تلك المعتقدات أيضاً كما يضيف الخبير، إذ يقول: "تؤكد نساء كثيرات أيضاً أنه من المقبول ضرب المرأة حين لا تفي بواجباتها، كأن تقصّر في غسل ثياب زوجها أو أن تحرق طعامه... ويقال إنه يُستحسن ضرب المرأة حال عدم امتثالها لما يرضي زوجها."

تلك الأفكار تُغرَس في النفوس مبكراً كما يرى تيكون من خلال "الموسيقى والألعاب والصور والإعلانات. ففي منطقتي يُحضّر حساء دجاج لذيذ عندما يولد ذكر، وعند ميلاد أنثى، يخيّم صمتٌ مُطبق، وكأننا نسهر على راحة فقيد ليلة دفنه."

ومن ثم، فإنّ أي شيء يقوّض تلك الأعراف (بما في ذلك مفهوم الاستقلالية الجسدية نفسه) قد يُعدّ تهديداً في تقدير روميو أليخاندرو مينديز، وهو معلم شاب وناشط في كيتشي ومن السكان الأصليين، إذ يقول: "القلة التي سمعت بالاستقلالية الجسدية تربطها بأفكار سلبية بسبب تأثيرات الذهنية الذكورية المُغالية."

لذا يريد زونيغا من الرجال والفتيان الأخذ بالأعراف الجديدة التي تحرر الرجال والنساء على السواء من المُثل التراثية الذكورية. ويضيف: "ما يستحقه مجتمعنا... مُثُل ذكورية جديدة، أي منظور جديد لمعنى الرجولة، وأساليب تعضد المساواة في الفرص وتعززها من أجل التنمية، مع تمكين الجميع من العيش بكرامة."

إغلاق

شفاء الأجسام والعقول والأرواح

عاملون صحيون في مركز صحي في منطقة أياكوتشو، بيرو. فيكتور كازورلا، الذي يعمل بمهنة القبالة، هو الخامس من ناحية اليسار.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة © صندوق الأمم المتحدة للسكان/أ. كاستانييدا.

يتحمل مقدمو الرعاية الصحية مسؤولية فريدة حيال تأكيد مفهوم الاستقلالية الجسدية وصونه لدى مرضاهم. وعن ذلك يقول فيكتور كازورلا، الذي يعمل بمهنة القبالة في جبال الأنديز في بيرو، "نصيحتي لكل موظف في الصحة هي إبداء التعاطف." قضى فيكتور أكثر من عقدين في العمل مع مجتمعات السكان الأصليين في منطقة أياكوتشو، وهو يعرف حق المعرفة طبيعة التحديات التي تهدد رفاه واستقلال المريضات الأشد عرضة للضرر.

لذلك يقول: "نظام العمل بالنسبة إلى الكوادر الصحية غالباً ما يتمحور حول الإنتاج، والإنتاج رديف الكم في الغالب. لكننا نتناسى جانب الجودة في الرعاية التي نقدمها للمرضى." ثمة عوائق ثقافية أيضاً في رأي فيكتور، "فكثير من زملاء المهنة والأشخاص انتقلوا إلى المناطق الريفية بدون إجادة لغة الكيتشوا – اللغة الأم للمجتمعات القاطنة في تلك المناطق،" وهو ما يؤدي إلى سوء التفاهم، بل والتمييز.

وفي الوقت ذاته، لا تحفل كثير من المريضات بحقوقهن الجنسية والإنجابية، فيضيف فيكتور قائلاً: "أجرؤ على القول إن ما بين 80 إلى 90 في المائة من عامة النساء لا يستطعن اتخاذ قرارات بشأن موعد ممارسة العلاقة الحميمية مع الشريك... فالنعرة الذكورية سائدة." كما يقرر فيكتور أن المريضات غالباً ما يشعرن بعدم القدرة على التحدث بصراحة عن القضايا التي تمس صحتهن الجنسية، وقد يخجلن من التعبير عن عدم ارتياحهن إلى الإجراءات المتعلقة بصحة المرأة؛ لا سيما إذا كان مقدمو الرعاية الصحية من الذكور.

تشكّل هذه العوامل - مجتمعة - مزيجاً خطراً: إذ يُترك الأطباء يكافحون لفهم احتياجات وحدود المريضات، فيما المريضات متروكات بلا تعبير ولا أدوات لمناصرة أنفسهن.

وتصبح تلك الشواغل أشد خطراً عندما تقدم الكوادر الصحية الرعاية إلى الناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. هنا تقرر منى فرهود، طبيبة النساء والتوليد المتخصصة في علاج الناجيات، أن "أكثر من نصف النساء في سوريا يجهلن حقوقهن الجنسية والجسدية والعامة. فحتى المتعلمات منهن يتعرضن للعنف ويعجزن عن التصدي له. ويعتبرن التحدث عن تلك الأمور يمس كرامتهن وسمعتهن."

تضيف الدكتورة منى فرهود إن من الكوادر الصحية المتخصصة من يحمل آراء تضر بصحة المريضات وحقوقهن. وذكرت في حديثها دورة تدريبية قدمتها إلى مقدمي الرعاية الصحية بخصوص معاملة الناجيات من الاعتداءات الجنسية، فقالت: "لاقيت اعتراضات كثيرة من المشاركين... ووجدت حالة من الإنكار وعدم الإقرار بوجود حالات للاعتداءات الجنسية."

ومن ثم، يجب على الأطباء التواصل بدون أحكام مسبقة وبعقلية محايدة مع المريضات، مع التفطّن إلى مواطن عدم ارتياحهن أو مواطن شعورهن بالإساءة." هذا يعني التحلي بصفات المحققين أحياناً حسب وصف الدكتورة منى فرهود؛ فتقول: "ربما لا تكون أعراض المريضة على قدر جسامة شكواها. لكن طريقة مشيها ومظهرها وكلماتها وشريكها وفحصها الجسدي – كلها عوامل تتضافر لتوحي بوجود مشكلة."

ويجب على الكوادر الصحية معرفة الموعد المناسب للتراجع، "الرفض حق من حقوقك. عندما أفحص مريضة، كالفحص النسوي مثلاً، فإنني أوضح أهميته للمريضة، لا سيما لمن تعرضن للاعتداء الجنسي." كما تقول الدكتورة منى فرهود، مضيفة: "أوضح أن هذا إجراء طبي للكشف عن أية عدوى أو جروح أو نزف أو كدمات أو رضوض أو أشياء تساهم في توثيق الحالة. فهل توافق المريضة؟ حتى عندما تعلم المريضة أن الغاية هي التوثيق، فما لم تكن مستعدة نفسياً لذلك يجب علينا احترام اختيارها. فربما يتعذر علينا فحصها هذه المرة، لكن المرة المقبلة سنتمكن من ذلك بعد شعورها بالاحترام والتقدير."

أضاف فيكتور كازورلا قائلاً إن إظهار الاحترام لثقافة المرء يكتسي أهمية بالغة، لكن ما هو أهم هو تمكين المريضات أنفسهن حتى يصبحن مدافعات عن أجسادهن واستقلالهن، إذ يقول: "نعلمهن أن يتوقّعن الاحترام من الغير، فلا حق لأحد في لمس أجسادهن: لا أنا ولا العمات ولا الخالات ولا الآباء ولا حتى الأمهات، ولا أي موظف ولا شرطي – لا أحد البتة."

ينظّم فيكتور وزملاؤه جلسات تثقيف للمجتمع، ويتخللها مناقشة قضايا من قبيل الحقوق وتقدير الذات والصحة الجنسية والعلاقات الصحية، وذلك في خلال الجلسات الاستشارية للأسرة والأفراد. تؤتي تلك الجهود ثمارها كما يرى فيكتور، خصوصاً بين الفئات العمرية الشابة، لكن عبء تقديم تلك المعلومات منعقد على مقدمي الرعاية الصحية، فيقول فيكتور: "لا يقتصر عملي -مثلاً – على وظيفة القبالة فحسب، بل إنني أناوب في مركز صحي يضطرني إلى ملاحظة المرضى القادمين بحالات طارئة." ويؤكد فيكتور الحاجةَ إلى موارد صحية أكثر، مادية وبشرية، حتى يتسنى للقطاع الصحي التوسع في التثقيف المجتمعي بصور من بينها البرامج المستهدفة للرجال والفتيان.

تتفق الدكتورة منى فرهود مع الدعوة إلى تقديم الدعم، فمنظمتها تعقد هي الأخرى جلسات توعية للمجتمع. لكنها ترغب في أن ترى قدراً أكبر من التثقيف والمساءلة في أوساط الموظفين أيضاً؛ ذلك بأنّ عليهم واجباً خاصاً من واجبات العناية بوصفهم مقدمي الخدمات الصحية الجنسية والإنجابية؛ وهو واجب يتمثل في احترام المرضى وتمكينهم. وعن ذلك تقول: "لقد أقسمنا قسم المهنة على ذلك."

إغلاق

التعبير عن الانتهاك

عملت ليدي لندنو في مجال تقديم الدعم والمعلومات اللازمة للناجين من الاعتداء الجنسي، وذلك بشكلٍ مباشر وجهاً لوجه وعبر الهاتف، وكذلك عبر الدردشة الإلكترونية.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة © صندوق الأمم المتحدة للسكان/ر. زيرزان.

عملت ليدي لوندونو في مناصرة الناجيات في الولايات المتحدة على مدار سنين، اعتادت في خلالها سماع تعبيرات عن الصدمة والخوف والخزي يستعملها الأشخاص في صراعهم مع تبعات الاعتداء الجنسي. كما تخلل ذلك إنصاتها لضحايا لا تكاد تجد كلمات للتعبير عن شكلٍ من أشكال الانتهاك الجنسي، وهذه ظاهرة شديدة الانتشار لكنها غير مفهومة على النحو الصحيح؛ حتى بالنسبة إلى من عايشوها أو ارتكبوها: ألا وهي الإكراه الإنجابي.

رافقت لوندونو ناجيات إلى المستشفيات وقدمت استشارات لهن عبر الخط الساخن، فتوضح تلك الظاهرة قائلةً: "تنطوي هذه الظاهرة على سلوكيات يتخللها لجوء الشريك أو شخص ما إلى استدامة القوة والسيطرة في إطار علاقة متعلقة بالصحة الإنجابية." تعمل لوندونو محاضرةً ومديرَ برامج حالياً لدى مؤسسة Planned Parenthood في واشنطن العاصمة. وتضيف: "تتخذ هذه الظاهرة أشكالاً كثيرة. إذ توجد محاولات صريحة لإخصاب الشريكة بالمخالفة لرغبتها. وقد يتعلق الأمر بالسيطرة على نتائج الحمل، أو إكراه الشريكة على ممارسة جنسية دون وقاية، أو التدخل الصريح أو الضمني في وسائل تنظيم الأسرة، أو الكذب أو الخداع بخصوص طرق تنظيم الأسرة."

تفتقر الناجيات إلى لغة مشتركة لوصف انتهاك محدد تعرضن له عندما حُرمن من السيطرة على خصوبتهن أو صحتهن الجنسية، سواءً وافقن على اللقاء الجنسي أم لا. وبدون كلمات تحدد جوانب هذه التجربة فإنهن غالباً ما يعبّرن عن مشاعر التخبط واتهام الذات. تتذكر لوندونو شابة اكتشفت أن شريكها نزع الواقي الذكري خلسةً في أثناء الجماع – وهذا تصرف يُعرف باسم "الانسلال"، وتصف ذلك بقولها: "تساءلت الضحية في البداية: هل أنا أضخّم الأمر؟"

إن مفهوم "الإكراه الإنجابي" حديث نسبياً، فمعظم الدراسات التي عنيت بهذا الموضوع خلال العقدين الماضيين كان أغلبها في الولايات المتحدة حيث تشير التقديرات إلى شيوع الإكراه الإنجابي بنسبة 15 إلى 25 في المائة (بارك وآخرون، 2016). لكن الدراسات الحديثة تبين أن هذه الظاهرة منتشرة عالمياً، ولا يقترفها الشركاء فحسب، بل تجاريهم في ذلك الأسر وأفراد المجتمع (غريس وفليمنغ، 2016). وربما وجدت تلك الظاهرة تواطؤاً من النظم الصحية من خلال سياسات تشترط إذن الزوج قبل لجوء المرأة إلى تنظيم الأسرة، على سبيل المثال لا الحصر.

عملت ديبيكا بول لعقود بصفة باحثة في الصحة الجنسية والإنجابية في بنغلادِش، ومع ذلك تقول إنها لم تكن على دراية بمصطلح الإكراه الإنجابي. لذا جنحت هي والكوادر الصحية وأنصار الحقوق إلى التحدث عن "عوائق تنظيم الأسرة".

واليوم، أصبحت بول خبيرة في هذا الموضوع. وانطلاقاً من عملها مستشارةً لدى إبسا في دكا، فإنها تشهد أشكالاً كثيرة من الإكراه الإنجابي، وعنها تقول: "بالنسبة إلى الأزواج الرجال... من الممكن ابتداء الموضوع معهم بقولنا "لا تستعن بأية وسيلة لتنظيم الأسرة،" ثم تتبع الزوجة رأي الزوج. وقد يصل الأمر إلى العنف الشديد، إذ أحياناً ما يلجأ الزوج إلى منع الطعام أو المال عن الزوجة إن هي رغبت في مواصلة استخدام وسائل تنظيم الأسرة." وغالباً ما يرتبط هذا العنف "بالأزواج الرجال" أو بأفراد الأسرة الآخرين الراغبين في إنجاب مزيد من الأطفال أو في إنجاب ذكور." وتضيف الخبيرة إنها تجد حالات للاستخدام القسري لوسائل تنظيم الأسرة وللإجهاض القسري.

لا يشيع اعتبار تلك التصرفات القسرية من أشكال العنف لأن الإنجاب قد يُنظر إليه باعتباره قرار أسرة. هنا تقرر بول أن "عائلة الزوج تنهض بدور ضخم." وأصدق ما يكون ذلك على الزوجات الصغيرات والقاصرات؛ علماً بأن متوسط عمر الزواج هو 16 وفق الدراسة الاستقصائية الديمغرافية والصحية التي أجريت في العام 2018. لذا تقرر الخبيرة أنه "من الصعب على الشابات اتخاذ قراراتهن وحدهن."

ومع ذلك، ثمة ارتباط واضح بين الإكراه الإنجابي والعنف، لذا تقدّر بول من واقع دراسة تعكف عليها أن ثلاثة نساء من بين كل خمس قلن إنهن تعرض للإكراه الإنجابي قد تعرضن أيضاً للعنف الجنسي أو الجسدي على أيدي أزواجهن.

استهل جاي سيلفرمان، الأستاذ بكلية الطلب في سان دييغو بجامعة كاليفورنيا، مسيرته المهنية بالعمل مع الرجال والفتيان الذين اقترفوا عنف الشريك الحميم. وعكف منذ ذلك الحين على دراسة الإكراه الإنجابي في بنغلادِش والهند وكينيا والنيجر والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الإكراه الإنجابي قد يكون من فعل أفراد الأسرة من الإناث أحياناً، إلا أن هذا الانتهاك متأصل في عدم المساواة بين الجنسين كما يرى سيلفرمان.

فيقول: "يوجد قاسم مشترك هنا، ألا وهو حق الذكر في السيطرة على الشريكة... وعند مستوى ما من هذا الوعي الذي يحمله الرجل فإن اعتقاده في الحق في السيطرة هو شيء شائع في معظم مجتمعاتنا على ما أظن."

يعكف سيلفرمان وزملاؤه، بمن فيهم إيباس في بنغلادِش، على تجربة أدوات لمساعدة الكوادر الصحية في استجلاء حالات الإكراه الإنجابي، ومن ذلك صياغة أسئلة بخصوص توجهات الشريك وسلوكياته. وبمجرد الإقرار بوقوع الإكراه يمكن للمرأة إعادة فرض استقلاليتها الجسدية بسبل منها اختيار طرق تنظيم الأسرة التي يعسر على الشريك رصدها.

لكن حتى وإن لم تجد المرأة مفردات لوصف الإكراه الإنجابي فإن سيلفرمان يقول: "أعتقد أيضاً أن الإنسان يقاوم الشعور بالسيطرة عليه بالفطرة... وهناك كثير من استراتيجيات التأقلم التي استحدثتها نساء في مجتمعات حول أنحاء العالم بُغْيَة التأقلم مع الإكراه الإنجابي، بما في ذلك تقديم الدعم من امرأة لأخرى. وهذا مسلك طبيعي في كل مكان، فلطالما وُجدِت امرأة - سواء أكانت جارة أم من الأسرة - تُخفي الحبوب لامرأة أخرى أو تعينها على الذهاب إلى العيادة." كذلك جرت العادة عندما توزِّع العيادات منشورات بخصوص الإكراه الإنجابي وعنف الشريك وكيفية طلب المساعدة فإن المرأة غالباً ما تأخذ "ما استطاعت" منها حتى توزعها على أخريات.

إن معظم العبء المرتبط بالتصدي للإكراه الإنجابي واقع على مقدمي الخدمات الذين غالباً ما يواجهون التزاماً مزدوجاً: إذ يجب عليهم تحقيق التوازن بين إشراك الرجال في مسائل الصحة الإنجابية دونما تسليمهم كامل زمام القرار في هذا الصدد. وعن ذلك يقول سيلفرمان: "أصبحت مشاركة الرجل في مسائل الصحة الجنسية والإنجابية وصحة الأم والطفل من الأولويات على الصعيد العالمي." وقد ارتبطت مشاركة الرجل بزيادة في معدلات تنظيم الأسرة واستخدام وسائل تنظيم الأسرة وتحسين مخرجات العمل في مجالات صحة الأم والطفل (كرايل وآخرون، 2019؛ عساف وديفيس، 2018). لكن عندما يرغب الرجل في السيطرة على اختيارات الإنجاب الخاصة بالشريكة، "يصبح إشراك الرجل ضارّاً بوضوح."

والحق أن الرجال - بل الأشخاص من جميع تصنيفات النوع الاجتماعي والميل الجنسي - قد يقعون ضحيةً للإكراه الإنجابي. لذا ترى لوندونو أن "تجربة الإكراه الإنجابي قد تصيب أي شخص. "فالنساء في المجتمعات المهمشة يواجهن مستويات عنف بمعدلات متفاوتة، ويشمل ذلك الإكراه الإنجابي... لكن ذلك لا ينفي حقيقة مفادها أنني تحدثت إلى فتيان ورجال شباب ورجال في العموم يسعون إلى استجلاء حقيقة تجاربهم والتعبير عنها بكلمات وتسييقها".

لا بد من إتقان مفردات الإكراه الإنجابي، خصوصاً بين صناع السياسات. لذا ترى لوندونو أنه "عندما تكون قوانيننا وسياساتنا غامضة ولغتنا مبهمة، فلن يستفيد الناجون ولا الناجيات شيئاً."

كذلك لا بد من التوعية بالاستقلالية الجسدية، وقالت بول في أحد المشاريع الحديثة: "تحدثنا إلى نساءٍ، فاخترنَ هذه المفردات: جسدي، حقوقي"... واتفقن جميعاً على احتياجنا إلى بث هذه التوعية للجميع – وهي إنّ جسدي ملْكٌ لي."

إغلاق

خلق الوحدة في المجتمع

تقول أيم إنها كان تشعر بالعزلة قبل التعرف على مجتمع الميم.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة مقدمة كمجاملة من أيم.

أدرك دانيار أنه مغاير للهوية الجنسانية وهو في سن السابعة، لكنه ظن لسنين طويلة أنه وحيد، فيقول: "عندما بلغت 15 أو 16، كنت في غاية الإحباط. لم أكن متقبلاً نفسي... لم أعرف بوجود مجتمعات الميم ولا منظمات لها في قيرغيزستان." ظل دانيار كذلك حتى أخبره شخص بوجود مجموعة محلية لمجتمعات الميم، فاستشعر حينها بقدرته على السيطرة على جسده وحياته. يقول دانيار: "فهمت أن هذه بيئتي، لكن قبل ذلك شعرت بأنني لم أكن متعايشاً مع جسدي. تعلمت شيئاً عن مغايري الهوية القائمة على النوع الاجتماعي، وبدأت القراءة عنهم، ثم بدأت برحلة التحول."

يبلغ دانيار من العمر 23 عاماً حالياً، ويعي أن تجربته ليست فريدة وحيدة، بل إنه لطالما رصد المناصرون والباحثون الأساليب المبتكرة والجماعية التي يتلاقى بها الأشخاص لاستعادة استقلاليتهم الجسدية عند استشعار تهديد لأنفسهم. وقد أوجد أفراد مجتمع الميم لأنفسهم مساحات آمنة متبادلة حتى في أشد البيئات تقييداً على مستوى العالم، وهناك أمثلة أخرى على ذلك؛ إذ يتلاقى المشتغلون بالجنس لتشارك المعلومات عن العملاء العنيفين، فيما تساعد النساء بعضهن البعض على إخفاء وسائل تنظيم الأسرة أو التهرب من الشركاء المسيئين أو إنهاء حالات الحمل غير المرغوب فيها في البلدان التي يعسر فيها الإجهاض أو يعد مخالفاً للقانون. وتجنح تلك الشبكات غير النظامية - كلما وحينما أمكن - إلى اكتساب صفة نظامية لنفسها بوصفها مجموعات مناصرة تسعى إلى إحداث تغيير.

يحدث هذا في قيرغيزستان كما ترى آيم البالغة من العُمر 24 سنة، وهي رجل مغاير الهوية تحوّل إلى امرأة. إذ شعرت هي الأخرى بالعزلة لأعوام قبل أن تجد قبولاً وتضامناً ضمن مجتمع الميم. وعن ذلك تقول: "كنت أرتدي تنورات أمي، فكانت أمي تسخر مني وتنهرني في آن واحد... وعندما بدأت دراساتي الجامعية فهمت أنه يتعيّن عليّ الإفصاح عن حقيقتي. فلو أخفيتُ الأمر طيلة حياتي لعشتُ في أسْر. بدأت التعرف بجدية على أفراد من مجتمع الميم في عام 2016."

واليوم، أصبح كل من دانيار وآيم من الناشطين في مجتمع الميم، إذ يعملان مع منظمة محلية غير حكومية تسمى "قيرغيز إنديغو" لتقديم خدمات إلى أفراد مجتمع الميم المحتاجين، بما في المساعدة في إيجاد سكن وإتاحة المعلومات والرعاية الصحية. وهذا الدعم لازم في بلد يواجه فيه مجتمع الميم تمييزاً متكرراً. يرى هذا المجتمع أن الأفراد مُغايري الهوية الجنسانية معرضون للضرر بصفة خاصة، ويدلل على ارتفاع معدلات البطالة لأسباب منها أنه يتعذر عليهم تحديث وثائقهم الثبوتية لإثبات هويتهم الجنسانية فيها. وعن ذلك يقول دانيار: "تحظر التعديلات الأخيرة على القانون تغيير الأشخاص لجوازات سفرهم لتصحيح بيانات الهوية القائمة على النوع الاجتماعي." ويضاف إلى ذلك ندرة الاختصاصيين الطبيين الذين يساعدون في التحويل اللازم لمغايري الهوية القائمة على النوع الاجتماعي، وهو ما يجعل تلك العملية باهظة التكلفة. ويضيف قائلاً: "هذه الحال تدفع كثيرين إلى التضحية بطعامهم أو نومهم [من أجل العمل على مدار الساعة] حتى يتسنى لهم توفير الأموال للجراحة من أجل تصحيح أوضاعهم الجسمانية."

يلوح التهديد بالعنف ضدهم على الدوام، وقد تعرّض كل من دانيار وآيم للتهديد من قبل، ولهما أصدقاء سبق الاعتداء عليهم. لذا يقول دانيار: "توجد حكايات كثيرة كهذه، فالمعتدون يضربون الشخص أو يختطفونه إلى مكان ما، ربما إلى الجبال أو خارج المدينة... ويضربونه ضرباً يكاد يفضي إلى الموت، ويتركونه في العراء."

وعلى الرغم من تلك المخاطر، فإنهم يجدون الحافز في الفهم العميق لجوانب النضال والصراع في مجتمعهم. تقول آيم: "لدينا مشاكل مشتركة ونعرف كيفية تقديم الدعم لأحدنا الآخر. ونحن نعضد بعضنا بعضاً." يرى أفراد مجتمع الميم أن التعبير عن الهوية الحقيقية القائمة على النوع الاجتماعي من الثوابت غير القابلة للتفاوض، فهي مسألة حياة أو موت. وإذا اضطر مغايرو الهوية الجنسانية إلى الاختفاء كلياً، "فأظن أن كثيراً منهم سينتحرون" كما يقول دانيار، أو ربما "يغادرون قيرغيزستان ويصبحوا لاجئين لأن العيش في جسم ليس ملك لي أمرٌ فظيع" على حد قول آيم.

ساءت أحوال هذا المجتمع في ظل جائحة كوفيد-19، فأدى فقدان الوظائف إلى فقدان كثيرين منازلَهم أو قوتهم أو قدرتهم على توفير الدواء. لذا شرَعت منظمة "قيرغيز إنديغو" في تقديم الطعام والمؤن الأساسية إلى المحتاجين، ومن بينها الصابون ومناديل المراحيض والفوَط الصحية. وبذلك تساهم المنظمة في إتاحة العلاج الهرموني المستمر لمغايري الهوية الجنسانية والعقاقير المضادة للفيروسات القهقرية للمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة "الإيدز". كما عكفت المنظمة على إدارة ثلاثة ملاجئ طوال مدة الجائحة لتلبية الحاجة المتزايدة إلى سكنى الطوارئ.

ومن ثم، ترى المنظمة أن تجربتها تحمل دروساً للفئات الأخرى المهمشة الساعية إلى مناصرة حقوقهم واستقلاليتهم الجسدية. لذا تقرر آيم أنه أولاً "هناك حاجة إلى تمكين هذا المجتمع وزيادة حضوره"، موضحة أن قبول قضايا مجتمع الميم في البلد هو أقوى ما يكون في العاصمة بيشكِك، وذلك بفضل وجود مجموعات النشطاء وجهودها.

لكن يجب على المناصرين الاستعداد للمعارضة، وعليهم حماية أنفسهم أيضاً، فتقول آيم: "لا بد من الاستعداد لأية ردات فعل والتحرك بلا خوف. فعندما تكرس نفسك للنشاط الحقوقي كليّةً، فأنت بذلك تنهك نفسك." وتقرر أن الثقة هي العنصر الأهم، فتقول: "الشيء الأهم هو الثقة بالنفس، الثقة في قدرتك... لا تخشَ أحداً. فأنت موجود، ومجتمعنا موجود، ونحن قادرون على أن نمضي للأمام معاً."

إغلاق

الذهاب إلى الولادة: وظيفة الأم البديلة

نادراً ما يأخذ صنّاع السياسات وجهات نظر الأمهات البديلات عند صياغة قوانين تأجير الأرحام، كما يقول الخبراء.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة بواسطة الكسندر كريفتسكيز على موقع Unsplash.

تتذكر جوزفينا اختيارها أن تصبح أماً بديلة، فتقول: "كان اختياري مدفوعاً في جانب منه من أجل المال، لكن ما دفعني إليه حقاً كان امتلاك القدرة على تحقيق حلم كثير من النساء في إنجاب طفل." ما لم تتوقعه جوزفينا هو ضعف الإدارة - بل والنزعة المسيئة - في وكالة الأمومة البديلة.

وعن ذلك تقول: "ظننت أنني كنت سأجد نساء أخريات مثلي: واثقات من قرارهن، وسبق لهن إنجاب طفل واحد على الأقل، كما تقضي الاشتراطات السارية. لكن المكان الذي قصدته لم يكن كذلك. بل وجدت كثيراً من الشابات ممّن لم يسبق لهن الحمل والولادة. وأتذكر أنني سألت نفسي: ’أين أنا؟‘" وبعد أشهر قليلة من الحمل نُقلت هي واثنين أو ثلاث أمهات بديلات أخريات ومعهن بعض أطفالهن إلى منزل متداعٍ ليس فيه ماء ولا كهرباء ولا طعام – فحُبسن فيه.

بيْد أنّ الوضع كان مؤقتاً، حيث قالت جوزفينا (اسم مستعار)، التي تعيش في المكسيك، إنها بدأت فجأة في استشعار القلق من أن الحمل لم يكن للغرض المعلن من كونها أماً بديلة، مضيفة: "راودتني كثير من الأفكار، من بينها أن الموضوع متعلق بالاتجار بالأطفال أو بالأعضاء." كانت تحتفظ بهاتفها الجوّال وتمكنت من الاتصال خلسة بالوالدين المرتقبين للجنين، وذلك على الرغم من منعها صراحةً من ذلك. تقول: "عثرت على الأبوين عبر فيسبوك. كانا لطيفين للغاية وداعمين لي." تحوّل الوالدان إلى وكالة أخرى للأمومة البديلة، ونقلا جوزفينا معهما. وعن ذلك تقول: "واصلت مهمتي في مكان أكثر أماناً، حيث شعرت بثقةٍ أكبر."

لكن حتى بعد مرورها بتلك التجربة الخطيرة، تقول جوزفينا إنها لم تندم على قرارها البتة: "كنت على يقين من رغبتي في الإنجاب. لم أندم على ذلك. كانت مغامرة. وعندما التقيتُ بالوالدين سعدت بالتجربة".

بل إنها تفكر في خوض التجربة مجدداً.

لطالما حفلت قضية الأمومة البديلة أو تأجير الأرحام بشواغل أخلاقية وقانونية. وقد أثارت القضايا ومعارك الحضانة التي لاقت تغطية إعلامية موسعة في الولايات المتحدة الأمريكية والهند وغيرهما تساؤلات بشأن حقوق ومسؤوليات الأمهات البديلات والوالدين المقصودين، فضلاً عن تساؤلات بشأن حقوق أطفال الأمومة البديلة أو تأجير الأرحام (ناديمبالي وآخرون، 2016). لكن القوانين تنطوي على اختلافات كثيرة من بلدٍ لآخر وداخل البلد الواحد، فبعضها يحظر الأمومة البديلة، وبعضها يحظر الجانب التجاري فيها (أو ما يسمى الأمومة بعوَض)، فيما تجيز ما يسمى بالأمومة البديلة دون مقابل، أما بعض القوانين فتجيز كلا نوعي الأمومة البديلة، فيما تفتقر بعض البلدان إلى قوانين محددة لتنظيم الأمومة البديلة من الأصل (يو سي إل إس، 2019).

وحيثما تُجاز الأمومة بعوضٍ تزدهرُ في الغالب صناعة مربحة، ومن مكوناتها المختبرات التكنولوجية للمساعدة الإنجابية، وشركات الجولات الطبية، وشركات الخدمات القانونية، والباحثين عن الأمهات البديلات، وغيرها من المكونات. وتصبح عندئذٍ البلدان ذات التكاليف الأدنى وِجهات يقصدها الأزواج الراغبين. ولكن، في مثل تلك الأماكن غالباً ما تكون الأمومة البديلة فرصةً من بين فرصٍ قليلة جزيلة العوض بالنسبة إلى النساء المهمشات اقتصادياً، ما يجعلهن عرضة للاستغلال. وربما تمكن الوسطاء والوكالات من السيطرة على معاملات تبادل الأموال والمعلومات، وعلى تقديم خدمات الرعاية الصحية أيضاً. ومن الوارد ترك الأمهات البديلات بلا عوض، أو موافاتهن بمعلومات ضئيلة، مع ضعف الخدمة الطبية المقدمة لهن (ناديمبالي وآخرون، 2016).

إن طبيعة الأمومة البديلة وتأجير الأرحام الغارقة في اعتبارات النوع الاجتماعي لتكشف أيضاً عن مكامن ضعف في كلا جانبي الاتفاق. وقد تواجه العاقرات ضغوطاً ثقافية كثيفة كي يصبحن أمهات، فيما تكون الأُسر المكوّنة من زيجات مثليين أو عائل وحيد ممنوعة في الغالب من إيجاد أمهات بديلات لأن تلك الفئات الممنوعة تخفق عموماً في استيفاء الأعراف المقبولة للأبوة والأمومة. وربما واجهت الأمهات البديلات نقداً لخيانتهن الرابط المقدس المعلوم بالضرورة بين المرأة وجنينها. وهذا هو السبب الذي دفع جوزفينا إلى التكتم بشأن أمومتها البديلة، فتقول: "هذا عيب. كثيرون يخافون عندما يسمعون به، لذا قررت ألا أخبر به كثيراً من الأشخاص. بل إن كثيرين من أسرتي لم يعلموا بذلك."

تقرر إيزابيل فولدا، نائب مدير مجموعة الاستعلامات بشأن الإنجاب الاختياري (وهي مؤسسة عدلية إنجابية في المكسيك)، أن "الوصم قد تفاقم كثيراً في خلال السنوات العشر الماضية"، لذا فقد شرعت تلك المؤسسة في مناصرة الأمهات البديلات والأزواج المستعينين بهن. تختلف قوانين الأمومة البديلة من مكان لآخر في المكسيك، لكنها أصبحت أشد تقييداً في السنوات القليلة الماضية. وعن ذلك تقول: "حتى ولو كانت النوايا الباعثة على الإصلاح طيبة، وتنشد تقديم حماية أفضل لجميع الأطراف، إلا أنها أسفرت عن تبعات غير حميدة، خصوصاً بالنسبة إلى الأمهات البديلات." وفي الأماكن التي طبقت معايير حظر أشد، "نعلم أن الممارسة نفسها ما زالت قائمة، ولكن في الخفاء وبأسلوب غير آمن."

تحملت جوزفينا كثيراً من تلك العواقب، فتقول: "عندما كنت مع الوكالة الأولى، لم يكن لدي عقدٌ حتى. فالعقد كان ليطمئنني إلى أن كل شيء سيسير كما ينبغي." وترى جوزفينا أن القيود إنما تدفع بالأمومة البديلة نحو مزيدٍ من الاستتار، وهنا يمكن للوكالات العديمة الأخلاق أن تزدهر دونما ضابط ولا رابط، وتتعرض الأمهات البديلات لظروف قاسية.

لذا تقول: "لو كان الأمر قانونياً لاستشعر الأشخاص مزيداً من الأمان."

الأجدى من المنع أن توجد سياسات دقيقة تراعي مُكونات الممارسة ورؤى المتأثرين بها، وذلك في رأي ساروجيني ناديمبالي، العضو المؤسس لمجموعة ساما للموارد من أجل المرأة والصحة في الهند؛ وهي خبيرة في القضايا الاجتماعية والقانونية المحيطة بالأمومة البديلة. وهنا تطرح التساؤلات: "هل شاركت الأمهات البديلات والأسر العقيمة في صياغة السياسات؟ وهل سُئلوا عن مبتغاهم من السياسة أو التشريع؟ وما مدى إتاحة تلك النصوص القانونية للأمهات البديلات؟"

ليس الإغفال في صياغة التشريعات يطال تجارب الأمهات البديلات فحسب، بل إن الوصم وقواعد العقاب عسّرت عليهن الضج بالشكوى. وعن ذلك تقول فولدا: "كلما تنامى الطابع السياسي للقضية، زاد إسكاتها." وحلّ رسم ساخر محل الحكايات الحقيقية للأمهات البديلات، وتخلله توصيف الأمهات البديلات مقابل عوَض بوصفهن ضحايا، فيما وُصِفت الأمهات البديلات دون مقابل بأنهن "غالباً ما يظهرن كما الملائكة الراغبات في الولادة في غضون تسعة أشهر، فيعرّضن أنفسهن لمخاطر محتملة لا لشيء سوى حب ما يحملنه في أحشائهن. يكاد يكون من المستحيل التفكير في أنهن لا يردن بذلك مالاً."

إنّ الفرق بين الأمومة البديلة مقابل عوض وبدون مقابل لا يشكّل أمراً منطقياً عند جوزفينا، فصفة الأم البديلة هي بالنسبة إليها وظيفة وهبة في آن واحد، فهي لم تلجأ لذلك بدافع من الفقر: "وضعي الاقتصادي حينها لم يكن بالسوء الذي يدفعني إلى هذه التجربة. اختياري نابع من رغبتي في عمل شيء مختلف في حياتي، وتقديم شيء إيجابي لإنسانة أخرى... وأنا أم أيضاً، وأدرك مقدار السعادة التي يجلبها الطفل بمجيئه إلى الدنيا."

إغلاق

ممارسة الجنس كمهنة

تدافع ليانا عن حقوق المشتغلات بالجنس في إندونيسيا.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة مقدمة كمجاملة من ليانا.

أوضحت ليانا من خلال مترجمة في إندونيسيا أن "علمي بأن لي رأياً وبأنني أسيطر على جسدي لم يأت إلا بعد اشتغالي بالجنس."

لكن ليانا باتت اليوم معتادة على تحطم الآمال؛ فهي جامعية من الطبقة المتوسطة وسبق لها العمل بوظيفة محاسِبة، ولا ينطبق عليها التصور السائد عن المشتغلات بالجنس؛ إذ تقول: "توفي زوجي عندما كان رضيعي في شهره الرابع." لم يكن دخلها كافياً، وكانت تجارة عائلتها مترنحة، فيما كانت أختها تواجه مصاعب مالية.

تقول: "زرت أحد الأماكن المرخصة للاشتغال بالجنس، وطلبت العمل لديه،" مؤكدة أن ذلك كان باختيارها، مضيفة: "فعلت ذلك باختياري ودونما إجبار."

أما اليوم فقد أصبحت ليانا المنسق الوطني لمؤسسة ، وهي شبكة تدعم المشتغلات بالجنس بالخدمات الصحية وبالمساعدة القانونية وبالمناصرة. كما تحظى مؤسسة OPSI بالدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان. هنا توضح ليانا مدى "التباين بين ظروف الاشتغال بالجنس، إذ يوجد مشتغلون ذكور بالجنس، وآخرون من مغايري الجنس، فيما تختلف أسباب الاشتغال بالجنس من شخص لآخر. لكن معظمهم يسعون إلى مصدر دخل."

أصبحت مونيكا، في مقدونيا الشمالية، مشتغلة بالجنس بعد فقدان وظيفتها وطلاقها، وتؤكد هي الأخرى أن قرارها كان بمحض اختيارها، فتقول: "كنت أبلغ من العُمر 19 أو 20 عاماً. كنت على مستوى كافٍ من الوعي والنضج للتفكير فيما أريد وما لا أريد." واليوم، تعمل مونيكا منسقةً إقليميةً لمؤسسة "سْتار" (STAR) التي تعد أول تعاونية للمشتغلين بالجنس في منطقة البلقان، وهي أحد شركاء صندوق الأمم المتحدة للسكان، وتقول مونيكا إنها فهمت أن هذا هو المجرى الطبيعي للأمور: "أنا محاطة في غالب الأحيان بمشتغلات بالجنس انخرطن في هذا المجال باختيارهن.

ومع ذلك، تتفق ليانا ومونيكا على أن الاتجار بالجنس -أي: الاستغلال الجنسي بطريق القوة أو الإكراه أو الاحتيال أو الخداع- يعد مبعث قلق خطير في مجال الاشتغال بالجنس. وتتعاون مؤسستا ليانا ومونيكا تعاوناً وثيقاً مع الناجيات، وتساعدهن في تأمين الخدمات والخروج من عالم الاشتغال بالجنس إن اخترن ذلك.

غير أن شيوع الاستغلال والانتهاك قد أخذ الكلام باتجاه الوضع القانوني للاشتغال بالجنس، ذلك بأن المطالبين بترخيصه والرافضين له يسوقون حاجة الأشخاص إلى الحماية من الانتهاكات.

وإلى جانب من يعارضون الترخيص نجد أن فكرة الرضا في صناعة الجنس محفوفة بالمخاطر في حد ذاتها. بل إن الدراسات توضح أن كثيراً من المقبلين على الاشتغال بالجنس قد مروا بمكامن ضعف كثيرة؛ ومن ذلك الفقر والاستغلال في مرحلة الطفولة، واضطراب الأسرة، ومعوقات تحول دون مباشرة نشاطٍ اقتصادي نظامي، بما في ذلك الافتقار إلى التعليم (ماكارثي وآخرون، 2014). ويُنظر إلى هذه الظروف على أنها تقوّض رضاهم الحُر القائم عن عِلم. علاوة على ذلك، هناك نسبة هامّة من المشتغلين بالجنس (تقدر بما بين 20 و40 في المائة) تفيد باشتغالها بالجنس منذ الطفولة (بارسيسيبي وآخرون، 2016)، وتلك مخالفة صريحة لحقوق الإنسان.

تصدت وثائق حقوق الإنسان لكل مكامن الضعف تلك، فاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تدعو إلى أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال دعارة المرأة". كما أن بروتوكولات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية تشمل "تقديم أو تلقي مدفوعات أو مزايا لتحقيق رضا شخص مسيطر على آخر بغرض الاستغلال"، وذلك ضمن تعريف الاتجار بالأشخاص.

لكن كثيراً من أنصار المشتغلين بالجنس يرون أن التركيز على مكامن الضعف يحرم هؤلاء المشتغلين من السلامة والاستقلال الذاتي فعلياً، وهنا نتذكر أن ليانا ومونيكا قد اختارتا بمحض إرادتيهما مواصلة الاشتغال بالجنس حتى بعد تلقيهن دخلا لائقا من خارج تجارة الجنس.

لذا تقول ليانا: "من فضلكم لا تفترضوا أن كل المشتغلات بالجنس هنّ ضحايا للاتجار، فمنهنّ من اخترن هذا العمل بمحض إرادتهنّ مثلي. ولا أحد يخدعنا أو يستغلنا. وعندما نسأل أعضاء مؤسسة OPSI عما إذا كانوا يريدون التوقف عن الاشتغال بالجنس إذا وجدن وظائف أخرى فمعظمهن يجبن بالرفض." وتعلل ذلك بقولها إن الوظائف الأخرى المتاحة للمشتغلين بالجنس هي وظائف منخفضة الأجر في الغالب، في حين أن الاشتغال بالجنس يمتاز بالمرونة التي تُعد محل تفضيل ورغبة. وتضيف قائلة: "يمكن للمشتغلات بالجنس إدارة أوقاتهن، والوفاء بالتزاماتهن في المجتمع، بل والشعور بقربٍ أكثر إلى أطفالهن."

تجرّم معظم البلدان الاشتغال بالجنس أو ببعض جوانبه (مثل تيسيره)، وذلك حسب الشبكة العالمية لمشاريع الاشتغال بالجنس. تجد ليانا ومونيكا أن تلك القوانين تدفع المهنة وأهلها إلى التخفي، وبذلك يعسر على المشتغلات بالجنس تمييز العملاء العنيفين واستبعادهم. كما تؤكدان أن التجريم يترك المشتغلات بالجنس عرضة للاعتقال والخوف من الإبلاغ عن المنتهكين والمستغلين. بل إن مونيكا تؤكد إقدام بعض عناصر الشرطة على التحرش بالمشتغلات بالجنس واستغلالهن، "وذلك لأنهم يعلمون أنّ الاشتغال بالجنس غير قانوني ويعتقدون أنه يصعب علينا الإبلاغ عن تلك المخالفات وأنّ لا حيلة في هذا الصدد."

إنهم يريدون إنفاذ التجريم والمقاضاة على مرتكبي العنف الجنسي والاستغلال الجنسي، لا على الاشتغال بالجنس. لذا تقول ليانا: العنف ليس مجرد مشكلة في أوساط المشتغلات بالجنس، بل هو مشكلة عند كل النساء وجميع فئات الأقليات."

تعززت جهود التحرك تحو ترخيص الاشتغال بالجنس في الأعوام القليلة الماضية في أروقة الأمم المتحدة، بالتوازي مع دعم كثير من الوكالات والبرامج لذلك مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)؛ وذلك باعتبار الترخيص المذكور وسيلة فعالة لمنع انتقال العدوى بالفيروس وللقضاء على التمييز ضد الفئات المعرّضة للخطر (منظمة الصحة العالمية، 2014؛ برنامج الأمم المتحدة المذكور، 2012).

وفي الوقت ذاته، تسعى الأمم المتحدة إلى تعزيز الجهود الرامية إلى القضاء على الاستغلال والانتهاك الجنسيين؛ فمباعث القلق المتعلقة بدخول القائمين على حفظ السلام والعمل الإنساني في علاقات استغلالية مع المشتغلات بالجنس والأفراد المهمشين والمعرضين للخطر قد دعت المؤسسة إلى التشدد في إنفاذ قواعد تحظر على منسوبيها تبادل الأموال أو السلع أو الخدمات نظير الجنس، حتى في البلدان التي تجيز قوانينها الاشتغال بالجنس. وعلى ذلك، فإن المواقف المستندة إلى أن الترخيص سيسهم في حماية صحة المشتغلين بالجنس وحقوقهم، إلى جانب فرض عدم شراء الخدمات الجنسية على الموظفين حتى لو كان ذلك قانونياً؛ إنما هي مواقف متناقضة كما يراها مسؤولو الأمم المتحدة.

تقرر إيفا بولكارت، منسقة جهود صندوق الأمم المتحدة للسكان لمنع الاستغلال والانتهاك الجنسيين، أنه "يجب على موظفي الأمم المتحدة ألا يشاركوا في أي نشاط من شأنه الإفضاء إلى استغلال جنسي. وهذا ليس حكماً صادراً على الاشتغال الطوعي بالجنس من جانب بالغين راضين واعين، لكن يجب علينا الإقرار بحقيقة أنّ شرعية العمل وحدها لا تضمن أنّ المشاركة في الاشتغال بالجنس هي مشاركة طوعية."

تتفق مونيكا وليانا أن المشروعية وحدها ليست كافية، إذ تريان أن الترخيص يجب أن يواكبه إزالة الوصم. وسيظل اضطرار المشتغلين بالجنس إلى العمل في الظلام قائماً، مقترناً بانتهاكات لا تبارح الظلام أيضاً؛ وذلك لحين إبداء الاحترام والكرامة للمشتغلين بالجنس شأنهم في ذلك شأن عامة المواطنين. لذا تقول مونيكا: "نحن أولياء أمور. نحن أبناء أناس عاديين. نحن أسر عادية. ولا داعي أن يعاملنا أي شخص معاملةً مختلفة عن الآخرين بسبب اختيارنا هذه المهنة. فالاشتغال بالجنس هو عملٌ أيضاً."

إغلاق

القدرة على الاختيار

تُعدّ ليزي كياما من المدافعين عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
. العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة مقدمة كمجاملة من ليزي كياما.

كانت ليزي كياما ماضية إلى عملها في عام 1999 بمدينة مومباسا الكينية، فاصطدمت الحافلة الصغيرة التي كانت تقلّها بمركبة أخرى تصادماً مباشراً. تتذكر الحادثة فتقول: "كنت جالسة في مقدمة الحافلة، وتسببت الحادثة في إعاقتي." استغرق تسليمها الكامل بالواقع الجديد نحو 11 عاماً.

تقول كياما: "لم أصنّف نفسي شخصاً ذا إعاقة لمدة طويلة، وذلك لوجود ترابط سلبي شديد بكلمة "معاق".

حانت نقطة التحول في حياتها عندما أصبحت أماً، وقررت أنها من أجل أطفالها قد تُحسّن العالم كلّه. كان ذلك يعني بالنسبة إليها تصنيفها ضمن ذوي الإعاقة – ثم إعادة اكتشاف ذلك العالم بمنظور مختلف حسب تعبيرها. اتجهت كياما إلى تأسيس مشروع يُسمّى هذه القدرة على الثقة، وهو مشروع اجتماعي يركز على حقوق ذوي الإعاقة، فأمكنها من خلاله رصد كثير من أساليب حرمان ذوي الإعاقة من القدرة؛ لا سيما متى تعلق الأمر بحقوقهم في الصحة الجنسية والإنجابية والحقوق الإنجابية.

وتقول إنّ ذوي الإعاقات البصرية أو السمعية نادراً ما يتاح لهم مترجمون أو مواد مطبوعة بطريقة بريل لدى طلبهم خدمات صحية، كما أن حقوقهم في الخصوصية والسرية منقوصة عندما يجالسهم مقدمو الرعاية. يضاف إلى ذلك افتقار كثير من ذوي الإعاقة إلى خيارات نقل ميسرة، كما أن كثيراً من المنشآت الصحية تفتقر إلى البنية التحتية والمعدات اللازمة لاستقبال ذوي الإعاقة، وإلى الموظفين المدربين على خدمتهم.

والحكايات في هذا الصدد تقشعر لها الأبدان.

تقول كياما: "سمعت حكايات عن نساء يلدن في المنزل حتى لا يواجهن أطقم التمريض أو القابلات اللاتي يتساءلن عما يدعو تلك النسوة إلى الحمل والولادة وهن من ذوات الإعاقة. فالمجتمع بصفة عامة ينظر إلى ذوي الإعاقة - لا سيما النساء - باعتبارهن كائنات لا جنسية... أي أن أموراً من قبيل الأهلية القانونية والاستقلالية الجسدية والحق في صنع القرار لا تُعدّ وضعاً معتاداً لهن."

تواجه النساء والفتيات ذوات الإعاقة معدلات مرتفعة من العنف القائم على النوع الاجتماعي في كينيا (سالومي وآخرون، 2013). لكن استقلاليتهن الجسدية تتعرض لمزيد من الانتهاك جراء ذلك في الغالب الأعم كما ترى كياما، وتُضيف قائلةً: "بعض الفتيات ذوات الإعاقة تتواطأ عائلاتهن مع الاختصاصيين الطبيين لتعقيمهن باعتبار ذلك سبيلاً إلى "حمايتهن"، لأنهن يقعن على الدوام ضحية العنف الجنسي. ولا شيء يطال الجناة."

لكن تلك المشاكل ليست محصورة في كينيا على أية حال، فذوو الإعاقة في كل مكان تقريباً يواجهون عقبات جسيمة في سبيل اتخاذ القرار بشأن الصحة الجنسية والإنجابية.

ففي منغوليا، مثلاً، تواردت تقارير عن إقدام كوادر صحية على إجهاض نساء من ذوات الإعاقة دون مشاورتهن أصلاً. بل يستصدر الأطباء موافقة أولياء أمور النساء حسب ما تقول إنخجارغال بانزغارش، الأخصائية الاجتماعية في اتحاد منغوليا الوطني لمستخدمي الكراسي المتحركة. وقد أشارت إحدى دراسات الاتحاد المذكور آنفاً إلى أن 22 في المائة من الأشخاص ذوي الإعاقة قد أجبروا على استخدام وسائل تنظيم الأسرة من جانب أفراد الأسرة أو مقدمي الرعاية الصحية.

يمكن أن يفضي رفض استخدام وسائل تنظيم الأسرة إلى تبعات، وتوضح بانزغارش قائلةً إن النساء ذوات الإعاقة غالباً ما يحرمن من البدلات أو من تمديد معونة حالة الإعاقة إذا كنّ لم يأخذن الجرعات المطلوبة من وسائل تنظيم الأسرة بالحقن.

وقد لا يتلقّى الأفراد ذوو الإعاقة ومقدمو الرعاية لهم سوى توضيح محدود إن وُجد، كما تقول إليزا آزيي، مساعد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في منغوليا، التي تعاونت مع نشطاء ومع وزارة الصحة لتسليط الضوء على تلك المشاكل.

تروي إليزا حكاية فتاة فتقول: "ما إن بلغت 16 من العمر حتى جاء طبيب الصحة إلى منزلها وبدأ في حقنها بوسائل تنظيم الأسرة بصفة ربع سنوية." سألت آزيي أم الفتاة عما إذا تساءلت يوماً عما يحدث، فقالت: "كلا، أنا أثق في طبيبي."

لكن الأمل لا يزال قائماً.

تقول كياما: "تحقق شيء من التقدم عند النظر إلى السياسات والإطار القانوني من منظور المناصرة،" مستدلةً على كلامها بقانون الإعاقة لسنة 2003 في كينيا، ونصوص الدستور، وبالمصادقة على اتفاقيات دولية بشأن حقوق ذوي الإعاقة، والتوسع في معايير الدخول الميسّر إلى المباني.

كما شهدت منغوليا تقدماً هي الأخرى، إذ سُلّط الضوء على انتهاكات الصحة الإنجابية لدى الأشخاص ذوي الإعاقة خلال استعراض 2015 لسجلات حقوق الإنسان في منغوليا. هنا تقرر آزيي أن الحكومة "أجرت مراجعات عاجلة على الأمر الوزاري الصحي بخصوص تقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء، بما فيهن ذوات الإعاقة."

وتضيف آزيي بقولها إن التغيير على مستوى السياسات مجرد خطوة، "فالسؤال هو كيف نتعامل مع الممارسات الفعلية؟"

لذا يتفق الخبراء على وجوب تغيير التوجهات، وفي ذلك تؤكد آزيي أن "النساء ذوات الإعاقة لهن الحق في الحب والإنجاب وتلقي الخدمات، والحياة الطبيعية."

يجب حماية الأشخاص ذوي الإعاقة من الاستغلال الجنسي، لكن أوجه الحماية تلك يجب أن تدعم استقلاليتهن الجسدية، لا أن تقوضها. كما يجب تمكينهن من نيل حقوقهن.

تؤكد كياما "أنه بوصفنا من ذوي الإعاقة فإننا نتخيل أننا في حاجة إلى من يأخذ بأيدينا وأن نطلب الإذن،" لكنها ترى مع ذلك تغييراً في الجيل الشاب من ذوي الإعاقة، فتقول: "نرى عدداً أكبر من الشابات يحظين بالحضور ويستعنّ بوسائل التواصل الاجتماعي من أجل المناصرة. وهن يناصرن الصحة الجنسية والإنجابية والحقوق الإنجابية بأساليب مختلفة، ومن العظيم رؤية ذلك."

إغلاق

أولاً، عدم الإضرار

تصفُ ثريا سبهرانغ كيف قام العاملون الطبيون والقانونيون بإدامة فحص العذرية غير الرضائي في أفغانستان.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة © صندوق الأمم المتحدة للسكان/أ. محقق.

فحوص العذرية تنتهك حقوق الإنسان الفردية وتنال من كرامته، وقد أكدت الأمم المتحدة ذلك تأكيداً شديداً؛ ذلك بأن إجراء ذلك الفحص دونما رضا يعد من أشكال التعذيب والعنف الجنسي، كما أنه عديم النفع من الناحية العلمية، بل هو انتهاك لأخلاقيات العمل الطبي (منظمة الصحة العالمية وآخرون، 2018). ومع ذلك، ما زال هذا الفحص قائماً في كل منطقة من مناطق العالم؛ حتى إن ممارسته المستمرة تصدرت عناوين الأخبار خلال الآونة الأخيرة في المملكة المتحدة مثلاً، ويجري إعداد مشروع قانون لحظر هذه الممارسة. ويأتي إجراء فحوص العذرية لفرض التعفف أو الحض عليه في أوساط النساء والفتيات غير المتزوجات، مشفوعةً بذرائع من قبيل المحافظة على "نقائهن" وعلى "شرف" الأسرة، والوقاية من فيروس نقص المناعة البشري/متلازمة نقص المناعة المكتسبة الإيدز"، واجتناب حمل المراهقات (أولسن وغارسيا-مورينو، 2017). ومع ذلك، فإنّ كثيراً من المدافعين عن تلك الممارسة يستعينون بلغة نسوية الطابع للمجادلة من أجل استمرار هذه الممارسة.

إنّ فحص العذرية، المعروف أيضاً باسم "فحص غشاء البكارة" أو "اختبار الأصبعين" ينطوي في المعتاد على فحص غشاء البكارة، وهو عبارة عن نسيج رفيع يوجد أحياناً (لا دائماً) في المهبل. ويستند الفحص إلى فرضية مفادها أن الخصائص المادية لغشاء البكارة أو للمهبل قد تكشف عن سابقة الجماع المهبلي عند المرأة أو الفتاة – وهذا اعتقاد تنقضه الدراسات الطبية نقضاً تاماً. ذلك بأن الفحوص غير العلمية "لإثبات" أو "نفي" حدوث جماع إنما ترسّخ الأعراف الاجتماعية الضارة، ولذلك يجب منعها وفق ما يؤكده خبراء الطب وحقوق الإنسان. ولا يقف ذلك عند فحوص العذرية فحسب، بل يدخل في عدادها الفحوص الشرجية التي تنطوي على إدخال أصابع أو أجسام في فتحة الشرج عند الرجل أو امرأة مغايرة الجنس بُغْيَة إيجاد "دليل" على سلوك جنسي مثلي. وقد تواردت أخبار عن فحوص شرجية قسرية في عموم الدول العربية وفي منطقتي شرق أفريقيا وجنوبها، لكنها "عديمة الجدوى طبياً" و"ترقى لمستوى التعذيب أو سوء المعاملة" كما ورد في تقرير العام 2018 لأحد الخبراء المستقلين لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (المجلس، 2018).

إن فحوص العذرية والفحوص الشرجية القسرية هي إجراءات تنتهك الجسد مؤلمة واصمة. وعن ذلك تقول ثريا سبهرانغ، الطبيبة ومفوضة حقوق الإنسان السابقة في أفغانستان، إن تلك الفحوص تتم بناء على أوامر عقابية بعد أية مخالفة متصورة؛ مثل الجلوس بجوار شخص من الجنس الآخر. وترى الطبيبة أن "كل تلك الممارسات تشكل ’جريمة أخلاقية‘" حسب وصفها.

يضاف لما سلف أن ظروف الفحص لم تكن صحية ولا مراعية للخصوصية في الغالب، حتى إن النساء كُن يجبرن على الخضوع للفحص مراراً كما تقول الطبيبة. وتضيف: "تسبب ذلك في صدمات للنساء... حتى إن إحدى النساء قالت لي: "شعرت في الفحص الثاني وكأن شخصاً اغتصبني."

أما المرأة التي لا تجتاز الفحص فقد تتعرض للسجن، وتستدعي الطبيبة من ذاكرتها وقائع "لبعض النسوة اللاتي انتحرن بعد الخضوع لذلك الفحص،" وهناك أخريات قُتلن على أيدي أسرهن.

تضيف الدكتورة ساعدت الطبيبة سوبهرانغ وزميلاتها في منع فحوص العذرية بدون رضا في أفغانستان في عام 2018. واليوم، لا يجوز إجراء فحوص العذرية في أفغانستان إلا بأمر المحكمة وبرضا المريض – غير أن إنفاذ هذه القاعدة ما زال مبعث قلق لا سيما في المناطق الريفية. حتى إن كلا من الأطباء والمرضى ما زالوا يواجهون تبعات حال رفضهم إجراء الفحص. تتذكر مُجغان عظمي، اختصاصية الطب الشرعي في كابول، إحدى الفتيات التي رفضت الفحص مرتين على الرغم من صدور أمر من المحكمة به، فيقول: "في المرة الثالثة أعادتها المحكمة إلينا بقرار مفاده أنه إذا لم يجر الأطباء الفحص هذه المرة فسيحالون للتحقيق. لذلك، وبعد ساعتين من التحدث إلى الفتاة، أقنعناها بإجراء الفحص."

تقر الدكتورة مُجغان عظمي بأن فحوص العذرية - لا سيما حال إجرائها بالإكراه - "تكون مؤذية نفسياً". لكنها تدافع عن الفحص في بعض الحالات، شريطة إجرائه بصورة سرية وبكرامة وبرضا تام عن عِلم. تتشكل تلك الآراء بفعل مخاوف حقيقية وحقائق قائمة: ففي الأماكن التي تنعدم فيها الإجراءات الطبية الصحيحة علمياً (مثل اختبار الحمض النووي (DNA) يُعدّ فحص العذرية طريقةً من بين طرق قليلة للغاية يمكن بها للناجيات إقامة الدليل المؤيِد لادعائهن بالتعرض للاغتصاب. لذا تقول الدكتورة: "بالنسبة إلى الضحية، يعد غشاء البكارة أداة يمكن السعي بها لتحقيق العدالة ودفع اللوم الاجتماعي والتقليدي عن نفسها."

إذا جاءت نتائج الفحص كما تشتهي الخاضعة له فإنها قد تقي المرأة من العنف في الأماكن التي يُعد فيها فقدان العذرية حكماً بالإعدام. هنا تضيف الدكتورة قائلة: "في ليلة الزواج يُعطى الزوجان قماشة أو ورقة بيضاء ينبغي أن تصطبغ بلون الدم الأحمر الناجم عن فض غشاء البكارة بعد إتمام الجماع.. وإذا لم ير الرجل دليل العذرية فيترتب على ذلك إجراء فحص العذرية... بناء على طلب الفتاة،" وذلك على أمل أن يحمل غشاء بكارتها دليلا على الفض.

ترى بعض المجتمعات - كما هي الحال في منطقة كوازولو- ناتال في جنوب أفريقيا - أن فحص العذرية يمثل شكلاً من أشكال الحماية من حمل المراهقات ومن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية وغيرها من الأضرار (مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، 2016). وعن ذلك يقول إمسنغافانسي، رئيس بلدية أومزيمخولو، في كوازولو-ناتال: "من المعتقد أن فحص العذرية يقي الفتيات من الإكراه على علاقات جنسية ومن الانتهاك الجنسي من الإينتسيزوا [أي الرجال الأكبر سناً]، خصوصاً في أوساط الفتيات في الصفوف 10 و11 و12." ويرى الرجل أن تلك الفحوص التي تجريها في الغالب نساء كبيرات ترسّخ القيمة الثقافية للعفاف، وبذلك تشجع الفتيات على رفض ضغوط الأقران وإرجاء النشاط الجنسي. ويعبّر إمسنغافانسي عن ذلك الطقس بلغة تمكينية، فيقول: "تُعلم الفتاة بحقوقها عقب الفحص،" مضيفاً إنهن يُعلّمْن كيفية رصد العلاقات المستغلة. لكن تلك الفحوص غالباً ما تتم بغير رضا، ما يجعلها مخالفة للقانون. وبذلك أقر أحد "فاحصي العذرية" من منطقتي يومغنغندلوفو ويوثوكيلا قائلاً: "الوالدان هما من يقرران ذلك."

على الرغم من تلك المسوغات، فإن الفحص يساهم في ترسيخ اعتقاد خطأ مفاده أن عفاف المرأة رهن بتاريخها الجنسي، كما يرسخ فهماً معيباً عن تشريح جسم الإنسان. أي أن إضفاء المصداقية على ذلك الفحص سيؤدي في النهاية إلى الأذى كما تؤكد الدكتورة سوبهرانغ، إذ تقول: "بعض النساء ليس لديهن غشاء بكارة، وبعضهن لديهن غشاء مطاطي للغاية. وقد قابلت امرأة أنجبت طفلها الأول وكان غشاؤها سليماً عند الولادة. أي أن هذا الغشاء لا يُثبت أن الفتاة لم يسبق لها ممارسة العلاقة الحميمية."

ومن ثم، توضح الطبيبة أن من تبلغ بتعرضها للاغتصاب قد يكون غشاء بكارتها سليماً، وبذلك قد تتعرض للسجن بتهمة إلقاء اتهامات كاذبة، فيما يُطلق سراح الجاني. يضاف لما سبق أن فحوص العذرية ليست بديلاً للفحوص الطبية اللاحقة على الاغتصاب، فهي الفحوص المعنية بتقييم وعلاج الصدمة بدون الاضطرار إلى إدخال أي شيء في المهبل (منظمة الصحة العالمية وآخرون، 2018).

لذا تقول الطبيبة سيما سمر، وزيرة الدولة السابق لحقوق الإنسان في أفغانستان، ونصيرة حظر فحوص العذرية دون رضا: "هذه الممارسة انتهاك لحقوق الإنسان ولكرامة البشر. يتطلب الأمر توعية العامة، الجميع، لا سيما الشباب. ثانياً، أعتقد أنه من اللازم توعية أفراد الشرطة وتوعية أعضاء النيابة والأطباء."

الجانب الأهم في هذا السياق هو وجوب تشجيع الأفراد بتعريفهم بحقوق الاستقلالية الجسدية وبالمطالبة بها، كما تضيف الدكتورة سمر. وتتساءل: "كم منهن يعرفن حقوقهن؟"

إغلاق

تنحية القانون: واقع الإتاحة غير المنصفة لخدمات الإجهاض

بغضّ النظر عن الوضع القانوني للإجهاض، يبدو أنّ النساء ذوات الحيلة يجدن طريقةً لإجراء العملية، بينما تُواجه النساء المفتقرات إلى الموارد مخاطر متزايدة.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة من قبل JESHOOTS على موقع Unsplash.

تعود نورية أورطيلي، طبيبة النساء والتوليد في تركيا خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، بالذاكرة فتقول: "جاءت امرأة من قرية بعيدة وحالتها خطرة... بعد أن حاولت إجهاض نفسها بنفسها. حاول الجميع إنقاذها، من الأطباء المقيمين الأصغر سناً إلى الأطباء الخبراء، لأكثر من 12 ساعة، وحتى قرابة 24 ساعة. بذلنا كل ما في وسعنا. لكنها ماتت."

لكن حكاية الدكتورة أورطيلي ليست عن إجهاض غير قانوني تمّ في أزقة مظلمة، فخدمات الإجهاض الآمن كانت متاحة بحكم القانون في تركيا حينها. لذا تقول: "لو أمكنها المجيء إلى المستشفى... لأمكن عمل المطلوب بمخدر موضعي." لكن الحكاية هي عن واقع تواجهه النساء ومقدمو الخدمات الصحية حول العالم: تحدث الإجهاضات مراراً حتى في الأماكن التي يخضع فيها الإجراء لقيود صارمة أو تجريم صارم من القانون (بيراك وآخرون، 2020)، مع حرمان النساء بصفة معتادة من اللجوء إلى الإجهاض الآمن حتى في الأماكن التي يجيز فيها القانون الإجهاض (جيردتس وآخرون، 2015). أي أنه وبقطع النظر عن أحكام القانون فغالباً ما توجد عوامل أخرى -مثل الموارد الاقتصادية والبُعد عن الخدمات أو الأعراف الاجتماعية- هي ما يحدد مدى قدرة المرأة على اللجوء إلى الإجهاض الآمن.

رأت الدكتورة أورطيلي هذه الظاهرة متجسدة في تركيا وهي طبيبة، ثم وهي مديرة برنامج ومستشارة الصحة الإنجابية لمنظمات صحية من بينها صندوق الأمم المتحدة للسكان في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وغرب أفريقيا والأمريكتين. وعن ذلك تقول: "نرى هذا الأمر مراراً. وبعيداً عن مدى قانونية الإجهاض من عدمه في أي بلد، فإن النساء يتخذن قرار الإجهاض ويجدن سبيلاً لتنفيذه. أما الميسورات منهن فيجدن سبيلا إلى خدمات صحية أفضل من غيرهن لأنهن يجدن الفرصة لذلك، فلديهن المال ولديهن شبكات المعارف. أما المعسرات منهن اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً فتزيد معاناتهن."

في المقابل، فحتى عندما كان الإجهاض محظوراً حظراً صارماً تحت كل الظروف في أيرلندا فقد تمكن عدد ضخم من النساء الراغبات فيه من السفر إلى الخارج لتنفيذ ذلك. وعن ذلك تقول كايتريونا هنشيون، المدير الطبي لدى المؤسسة الأيرلندية لتنظيم الأسرة: "في حالات كثيرة للغاية إذا كانت المرأة عازمة على الإجهاض فسوف تتدبر ذلك في نهاية المطاف."

القانون لا يمنع الإجهاض في رأي كثير من النساء، إن لم يكن في رأي أغلبهن، لكن الأمر "قد يستغرق زمناً طويلاً لحين التمكن من تنفيذه" كما ترى الدكتورة هنشيون، مضيفة: "كلما طال زمن الانتظار، تفاقمت الضغوط النفسية والهلع... ويضاف إلى ذلك وضوح الخطر الأكبر المرتبط بالعملية التي تنتظرهن."

أما من تعذر عليهن الإجهاض بالسفر دولياً فكن "مجموعة صغيرة نسبياً" كما تقول الطبيبة، "لا سيما اللاتي لا يُجدن الإنجليزية أو لا يتمتعن بمواطَنة كاملة وما يرتبط بها من حقوق" – مثل القدرة على الخروج من البلد والعودة إليه بسهولة – "ومن الفئات الأخرى المراهقات المضطرات إلى استصدار موافقة ولي الأمر، ومن لا يجدن المال للسفر مطلقاً... أو من لم يجدن من يفصحن له [عن الحمل] أو من يقدم لهن يد العون."

ومع أنّ الدكتورة هنشيون لم تتمكن من إجراء عمليات إجهاض في حينها، إلا أنها قدمت الرعاية اللاحقة على الإجهاض، وذلك بعد حصول النساء بطريقة غير مشروعة على حبوب تؤدي إلى الإجهاض الطبي. وعن ذلك تقول: "في معظم الحالات، كان الوضع آمناً ولا غبار عليه، ولم تواجه النساء مشاكل ولا مضاعفات،" لذلك لم ترصد المنظومة الصحية إلا النزر اليسير من حالات الإجهاض التي أجريت على ذلك النحو. ومع ذلك، كان "أمراً معتاداً" استقبال مريضات بنزيف حاد أو مزمن، وكذلك "نساء قد يكنّ تناولن حبوب إجهاض في بيوتهن في مرحلة متقدمة من الحمل أكثر مما كنّ يعتقدن، أو بعد فوات الأوان الصحيح من مدة الحمل إذا كنّ يردن استخدام تلك الطريقة للإجهاض."

كانت تلك الظروف محفوفة بالتحديات كما تقول الدكتورة هنشيون. فأحياناً ما كانت المريضات يتسولن -بمعنى الكلمة- طلباً للتوعية بشأن الإجهاض أو للإحالة الطبية التي كان يتعذر عليها عملها. وفي النهاية، بدا أنّ القواعد تتسبب بنتيجتين مختلفتين باختلاف امتلاك المريضات للمال والموارد أو افتقارهن لها، "فهذا هو ما شعرت به على الدوام" حسب كلام الدكتورة. لذا كانت الدكتورة بين رواد مناصري تشريع الإجهاض في أيرلندا، وهو تغيير حدث عقب استفتاء أجري عام 2018.

لكن ما زال الأشد تهميشاً يكابدون إلى اليوم عوائق ومخاطر أكبر. لذا تقول الدكتورة إن "هناك بعض أنحاءٍ من البلاد يكاد تنعدم فيها إتاحة الخدمات قياساً على طبيعة مقدمي الخدمات." الدكتورة هنشيون، وما زال بعض النساء يسافرن إلى الخارج من أجل الإجهاض الآمن، بكل ما يستتبعه من تأخير وتكاليف. وما زال المهاجرون عديمو الوثائق ومن لا يتحدثون الإنجليزية يواجهون تحديات جسيمة.

وصفت الدكتورة أورطيلي شكلاً مماثلاً من أشكال الإحباط، فتقول: "مارست عملا خاصاً لسبع أو ثمان سنوات في إسطنبول، وصادف نساء كثر من دول الخليج حيث يخضع [الإجهاض] لضوابط صارمة. وبالطبع كانت تلك النساء من المؤشرات القادرات على تحمل التكاليف." وفي الوقت ذاته، علمت أن النساء المعرضات للخطر في بلدها كن يناضلن لنيل المستوى نفسه من الرعاية، سواء بسبب بعد المسافة عن منشآت الخدمات أو بسبب قواعد استئذان الزوج وموافقته. "صادفت رجالاً يستعملون ذلك كسلاح أحياناً في مواجهة نسائهم. فمثلاً: إذا أرادت المرأة الطلاق لكنها حامل فلا يسمح لها زوجها بالإجهاض حتى يبقيها تحت سيطرته."

ومع ذلك، أعربت الدكتورة عن سعادتها بوجود خيار إنهاء الحمل في تركيا، حتى وإن كانت إتاحته غير منصفة. تذكرت حجم الفاجعة التي ألمت بها عندما توفيت مريضتها عقب إجهاض غير آمن، وقالها لها طبيب آخر واسع الخبرة أن هذا الوضع كان أسوأ من ذلك في السابق "لأنه قبل إقرار قانون [الإجهاض] كان هذا الجناح من المستشفى شاهداً على فقدان نساء أخريات، بمعدل اثنتين أو ثلاث كل أسبوع،" حسب قول الطبيب.

ومن عجائب الأمور، كما ترى الدكتورة هنشيون، أن تشريع الإجهاض في أيرلندا قد أتاح لمزيد من النساء متسعاً من الخيار: أي خيار تغيير الرأي. كانت النساء إذا أردن السفر إلى الخارج من أجل الإجهاض فقد يراودهن شعور بالاضطرار إلى الخضوع للعملية عقب بذل الوقت والمال للترتيب لذلك. "الضغوط عليهن لاتخاذ القرار كانت مهولة بالفعل... وكانت تلك هي الفرصة الوحيدة إما لأخذه أو تركه". أما اليوم فترى الدكتورة أنه "بمقدور الطبيب أن يقدم إلى المريضات جميع المعلومات وأن يفسح لهن المجال والوقت اللازمين."

كما ترى أن تلك التغييرات أحدثت فارقاً كبيراً لا سيما خلال جائحة كوفيد-19 الحالية. "عندما نفكر في القيود [التي فرضتها الجائحة] على السفر، فسنجد أمامنا موقفاً بالغ الخطورة حقاً لو أن تشريع الإجهاض تأخر... إذ أسفر الوضع القائم عن حالات حمل كثيرة بسبب الأزمة والإغلاق، ومن الأشخاص من فقدوا وظائفهم أو اضطربت حياتهم حتى تغيرت كلياً، ومع ذلك ما زالت هذه الرعاية متاحة لهم."

إغلاق

جسدك: دليل المالك

اعتادت أولغا لورينسو على مواجهة معارضة عند تقديم خدمات التربية الجنسية الشاملة، ولكنها لم تتراجع.
العمل الفني الأصلي بواسطة نعومي فونا؛ الصورة © صندوق الأمم المتحدة للسكان/سي. سيزار

يكاد لا يعترض أيّ من الآباء أو قادة مجتمع على جلب تلميذٍ ما لكتاب كيمياء أو تفاضل وتكامل مدرسي إلى بيته. غير أنّ دروس التربية الجنسية الشاملة تُعدّ محظورةً على نطاق واسع، ويُقصد بالتربية هنا التوعية الدقيقة بمعلومات مناسبة عُمرياً حول جسد الفرد والصحة الجنسية والإنجابية وحقوق الإنسان. وكثيرٌ من المدارس لا تدرّس مادة التربية تلك، ولا تقدم سوى معلومات منقوصة؛ وهو ما يترك التلاميذ في حال استعدادٍ ضعيف للتغييرات التي تمر بها أجسادهم، وإعدادٍ ضعيف لحماية أنفسهم من الضرر على حد سواء.

وعن ذلك تقول أولغا لورينسو، التي تعمل منسِّقة لمشروع مركز دعم الشباب (المدعوم من صندوق الأمم المتحدة للسكان ويُعنى بتعزيز مهارات الحياة والتربية الجنسية الشاملة للشباب في أنغولا): "نحن في كفاح مستمر لإدراج هذا الموضوع في مناهج الدراسة، فلا شيء تقريباً يقال عن التربية الجنسية الشاملة ولا عن الصحة الإنجابية بسبب اعتبارات العيب والأحكام المسبقة."

يجادل معارضو التربية الجنسية الشاملة في الغالب بأن تلك التربية تروّج للنشاط الجنسي، لكن الدراسات تؤكد أن هذا الطرح غير صحيح؛ بل إن الأدلة تشير إلى أن هذه التربية - حال تقديمها وفق المعايير الدولية - تحسّن معارف الشباب وتشكّل استراتيجية حاسمة ومناسبة التكلفة للوقاية من الحمل غير المقصود والعدوى المنقولة جنسياً، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية. كما تفيد بعض الدراسات بأن تلك التربية تساهم عملياً في تأخير الممارسة الحميمية الأولى عند المراهقين (اليونيسكو، 2016).

وأوضحت المنسقة لورينسو أنها افتقرت إلى التوعية الدقيقة في هذا المجال وهي مراهقة، فاستشعرت ضغوطاً تجاه الدخول في علاقات حميمية قبل أن تستعد، أي وهي في سن 15. وعن ذلك قالت: "كان لصديقاتي أصدقاء، وكانت لهن حياة جنسية نشطة. وكنّ يسخرن مني لكوني "عذراء. أثّر ذلك فيّ نفسياً... وأظن أنه نال من استقلاليتي الجسدية بشكل أو بآخر."

ديبيكا بول باحثة خبيرة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، ومستشارة لدى مؤسسة "إيباس" في دكا، بنغلادِش، رأت بعينيها عواقب ضعف إتاحة التربية الجنسية في مجتمعها، فتقول: "عندما كنت تلميذة في الصف السابع، كان لدينا فصل وحيد عن الحيض. ولم تكن المعلمة مرتاحة وهي تشرح هذا الفصل لنا."

إن انعدام التربية الجنسية الشاملة يجعل الشباب يقعون ضحية أباطيل ومعلومات مغلوطة، علماً بأن الفتيان والرجال بصفة خاصة "لديهم فجوات معرفية ومفاهيم مغلوطة" في هذا الصدد كما ترى ديبيكا بول، موضحة أنها رأت رجالاً يمنعون زوجاتهم من استخدام وسائل تنظيم الأسرة لاعتقادهم أن "العواقم [أي الوسيلة الرحمية المانعة للحمل] تنتشر في الجسم كله... فيظنون أنهم سيشعرون بالألم بسبب العاقم. وهذا غير صحيح."

إنّ التلاميذ الذين يتلقّون تربية جنسية شاملة لا يتمكنون فقط من اتخاذ خيارات جنسية صحية فحسب، بل يصبحون أفضل استعداداً للبحث عن المساعدة عند الحاجة. لذا تقول لورينسو: "المعلومات التي أشارك بها كفيلة بإحداث تغيير كبير في حياة الإنسان."

تتذكر الباحثة فتاةً كشفت في أثناء تلقيها تربية جنسية من خلال برنامج إرشادي عن إصابتها بجرح مزمن في صدرها – معتبرة ذلك مبعث خجل، لكنه ليس بأمر طارئ. وتورد الباحثة قصة شابة أفصحت عن إقامتها مع خال أساء لها جنسياً، فتصف الباحثة الواقعة قائلة: "حبست الفتاة نفسها وما عادت تتكلم مع أحد خشية الطرد من البيت وانتهاء الحال بها إلى الشارع." أمكن للمرشدين تخصيص خدمات لكلا الفتاتين، لكن لورينسو مهتمة بما كان ليحدث، فتقول: "أي مصير كانت الفتاتان لتلقياه لو لم نتدخل؟"

ويمكن للتربية الجنسية الشاملة أن تنهض بدور في منع العنف القائم على النوع الاجتماعي، فتدريسها وفق المعايير الدولية يعني أن تتضمن الدروس رسائل عن حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والعلاقات المحترمة (اليونسكو وآخرون، 2018). من هنا تتزايد دعوات الخبراء إلى هذا اللون من التربية بُغْيَة تأطير الوقاية من العنف بوصفها مسؤولية مقترفيها، لا مسؤولية ضحايا العنف ولا الناجيات منه (شنايدر وهيرش، 2020).

لذا ترى لورينسو أن "التلاميذ والتلميذات يتعيّن عليهم معرفة حقوقهم وواجباتهم في المجتمع أولاً،" موضحة أن هذا هو الأساس الذي تركن إليه في التربية الجنسية الشاملة. وتضيف قائلة: "بعدها يتعيّن عليهم معرفة وظائف أجسامهم حتى يتسنى لهم اتخاذ قرارات مفيدة لهم، لا أن يتركوا غيرهم ليقرر لهم."

نستخدم ملفات تعريف الارتباط والمعرفات الأخرى للمساعدة في تحسين تجربتك عبر الإنترنت. باستخدام موقعنا الإلكتروني توافق على ذلك، راجع سياسة ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا.

X